يزداد الاهتمام بتأثير التغيرات المناخية، وارتفاع درجات الحرارة المتزايد، على الصحة العامة، وبشكل خاص على الصحة النفسية، إذ أن التغيرات المناخية ليست مجرد مسألة درجات حرارة مرتفعة فحسب، بل تتجاوز ذلك لتؤثر على وظائف الجسم المختلفة، بما فيها الصحة العقلية.
وقد يبدو أن فصل الصيف يأتي معه بفوائد عديدة، مثل النشاطات الخارجية وزيادة التعرض لأشعة الشمس، إلا أن حرارة الصيف المرتفعة يمكن أن تحمل آثارا سلبية على الصحة النفسية.
وقد أصبح من الضروري فهم تأثير هذه الظروف على صحة الإنسان بشكل عام، والصحة النفسية بشكل خاص، والعلاقة بين ارتفاع درجات الحرارة والصحة النفسية خلال فصل الصيف، مع التركيز على الآليات الفسيولوجية والتغيرات النفسية التي قد تطرأ على الأفراد خلال هذه الفترة.
وفي هذا السياق، قالت الشرامي جميلة أخصائية نفسية كلينيكية ومعالجة نفسية، في تصريحها لـ”سفيركم”، إن “الجسم البشري يحتوي على آليات فيزيولوجية متعددة تساعد في الحفاظ على درجة حرارته ضمن النطاق الطبيعي بين 36.1 و37.2 درجة مئوية، وهذا ما يعرف بالتنظيم الحراري، ومع ذلك، عندما تتجاوز درجة الحرارة المحيطة 26 درجة مئوية، يفقد جهاز التنظيم الحراري فعاليته، مما يجعل من الصعب على الجسم الحفاظ على حرارته الداخلية”.
وأوضحت الأخصائية النفسية، أن “هذا الارتفاع الحراري الداخلي له آثار سلبية، خاصة على الأفراد الذين يعانون من مشاكل صحية، وبالأخص المشاكل المتعلقة بالصحة النفسية”.
وفي جوابها على سؤال كيف تؤثر الحرارة على الدماغ، قالت الشرامي، تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على وظيفة الدماغ والصحة النفسية بطرق متعددة، منها: تباطؤ الوظائف الدماغية، الجفاف الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة، انخفاض الضغط الانبساطي، وكذلك انخفاض قدرة الدم على نقل الأوكسجين عندما ترتفع درجة حرارته، مما يجعل الدماغ أقل كفاءة ومرونة”.
فيما أوضحت هذه الأخيرة، أن “هذا التأثير السلبي يمتد إلى الجسم ككل، حيث يتطلب مزيدا من الطاقة للتكيف مع الحرارة، مما يؤدي إلى الشعور بالإعياء الشديد والخمول، وهو ما يؤثر مباشرة على الصحة النفسية، فاضطرابات النوم الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة تجعل الشخص أكثر توترا واندفاعا وتهورا”.
وأشارت الأخصائية النفسية إلى أن “العديد من الدراسات تظهر أن هناك زيادة في نسب الانتحار والاكتئاب أثناء موجات الحر، خصوصا بين الأفراد الذين يعانون من مشاكل نفسية، مثل اضطراب ثنائي القطب، مضيفة، وأثبتت دراسات أخرى أن نسبة الأشخاص المصابين باضطرابات أو أمراض نفسية ترتفع بحوالي 30% أثناء موجات الحر”.
ومن جهة أخرى، أشارت الأخصائية النفسية، إلى أن العديد من الأدوية النفسية تؤثر بشكل مباشر على قدرة الجسم على التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة، مما يؤدي إلى زيادة درجة حرارة الجسم الطبيعية، وتبين أن هذه العوامل تجعل الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية أكثر عرضة للوفاة مقارنة بالأشخاص الأصحاء.
وبشأن الأعراض التي تظهر على دوي هذه الأمراض النفسية ذكرت الشرامي جميلة، أن ارتفاع درجة الحرارة يؤثر على الصحة النفسية من خلال ظهور عدة أعراض ملحوظة خلال موجات الحر، تشمل هذه الأعراض زيادة التوتر والقلق، وانخفاض القدرة على التركيز، وارتفاع حالات الاضطرابات المزاجية مثل الاكتئاب، اضطرابات النوم، الشعور بالتعب والإرهاق الشديدين، وقد تتسبب هذه الظروف أيضا في تصرفات عدوانية.
وبالتالي حسب المتحدثة، فإن “ارتفاع درجات الحرارة يؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية، حيث يتسبب في زيادة التوتر والغضب والهيجان، ومن الناحية الفيزيولوجية، يؤدي الجو الحار إلى تسارع ضربات القلب، وزيادة قوة النبض، وارتفاع ضغط الدم، وكذلك ارتفاع مستوى الكورتيزول، وهو هرمون التوتر، كل هذه التغيرات تجعل الفرد يشعر بالتوتر والضغط النفسي بشكل متزايد”.
وخلصت الشرامي جميلة الأخصائية والمعالجة النفسية، في تصريحها لجريدة “سفيركم”، إلى أن الدراسات الحديثة أثبتت أن تأثير ارتفاع درجات الحرارة على الصحة النفسية يظهر بعد 3 أو 4 أيام من بداية الموجات الحرارية، خاصة عند الأشخاص المصابين باضطرابات وأمراض نفسية، فعلى سبيل المثال، يعتبر شهر نوفمبر شهر الاكتئاب نظرا لقلة ظهور الشمس، وتتزايد فيه حالات الاكتئاب واضطرابات القلق الموسمية خلال فصل الشتاء، ومع ذلك، تشير معطيات المستشفيات ونسبة الوفيات المسجلة جراء ارتفاع الحرارة إلى أن تأثير الحرارة الشديدة أشد وطأة من برودة الشتاء.
تعليقات( 0 )