أرخص موجود وأغلى مفقود.. تداعيات نقص مياه حوض أم الربيع على جهة بني ملال

لطالما كانت كل زاوية من جهة بني ملال خنيفرة تنشد الحياة، بصهاريجها العذبة التي تؤثت أحياء المدينة لتروي ظمأ كل عطشان، وصوت خرير مياهها المنهمرة من كل حدب وصوب، مؤلفة مقطوعة معهودة لدى الساكنة، تنضاف إلى سحر طبيعتها الخلابة وخضرة بساتينها الواسعة التي تسقى من خزان مائي ينبع من جبال الأطلس المتوسط ويصب في المحيط الأطلسي، ليكون بذلك هو شريان الحياة النابض لجهة تشكل “قلب المغرب”.

ولكن السنوات الأخيرة، التي جاءت محملة بمقادير لم تكن في الحسبان، بسبب قلة التساقطات المطرية وتغير المناخ، جعلت حوض أم الربيع ينام طريح الجفاف، ويتخبط خوفا من نضوبٍ يمكن أن يجني على مناطق متفرقة من المغرب، نضوبٌ أعادت ترتيب الأولويات والتفكير في أن الماء هو بحق “أرخص موجود وأغلى مفقود”.

جفاف ومنسوب مياه يتراجع

بدأت الوضعية المائية في مدن الجهة، من قبيل بني ملال تتراجع نسبيا، لا سيما بعد انخفاض منسوب حوض أم الربيع كحوض تشرب منه جهة بني ملال خنيفرة بالدرجة الأولى، حيث يسهم بشكل كبير في تزويد المنطقة بالمياه اللازمة للزراعة، الشرب، والصناعة، حيث سجل حوض أم الربيع عجز كبيرا في الواردات المائية خلال السنة الهيدرولوجية الحالية 2024-2023، بلغت نسبته ناقص 77 في المائة.

وكانت قد كشفت المعطيات الصادرة عن وزارة التجهيز والماء، أن الواردات المائية التي تم تسجيلها في السدود الخمسة الكبرى بالحوض، خلال الفترة الممتدة من فاتح شتنبر إلى غاية 15 يوليوز 2024، بلغت 641 مليون متر مكعب، بالمقارنة مع المعدل السنوي الذي يقارب حوالي 2 مليار و846 مليون متر مكعب.

ويمثل الحوض نسبة 86% من إجمالي الموارد المائية السطحية في المنطقة، بينما يتوفر على 512 مليون متر مكعب من المياه الجوفية، أي ما يعادل 14%.

أم الربيع.. منقذ مؤقت

وفي هذا الصدد، قال عياد صالح، رئيس جمعية مستخدمي المياه المخصصة للأغراض الزراعية العيادية بنني ملال، إن “الوضعية المائية في بني ملال تبقى مستقرة إلى حدود الساعة مع استقرار صبيب عين أسردون وكذا الحمولة المائية القادمة من سد بين الويدان، التي تزود 80 في المائة تقريبا من الساكنة”.

وأكد عياد صالح، في تصريح لجريدة “سفيركم”، أن حوض أم الربيع يلعب دور المنقذ المؤقت لجهة بني ملال خنيفرة، لا سيما في ظل أزمة الجفاف، قائلا: “في الوضع المتأزم الحالي، فضل السدود بدا جليا في تزويد المدن بالماء الصالح للشرب، و نهر أم الربيع ماهو إلا نقطة وصل بين الجهات الثلاث التابعة ترابيا لوكالة الحوض المائي لأم الربيع، ويتعلق الأمر بجهة بني ملال خنيفرة،جهة الدار البيضاء سطات، جهة آسفي مراكش، و في إطار قاعدة التضامن بين الجهات، وكما يعلم الجميع الحالة التي أصبح عليها سد المسيرة الذي يعتبر ثاني أكبر سد في المغرب والذي يزود جهة الدار البيضاء سطات، فهنا يظهر دور نهر أم الربيع في فك الأزمة بالجهات مؤقتا”.

وأوضح المتحدث ذاته أن “المستقبل المائي بيد الله الواحد الأحد، لا يسعنا إلا التضرع لله والدعاء له ليسقينا الغيث والغيث والغيث”.

وفسر صالح الوضعية المائية التي يمر منها حوض أم الربيع وجهة بني ملال خنيفرة بصفة عامة بمجموعة من العوامل، أبرزها قلة التساقطات، والتزايد الديموغرافي وتزايد الاستعمالات المائية، مبرزا أن الاستعمال العشوائي للماء على مستوى السقي وكذا الشرب وفي قطاعات مختلفة له تأثير كبير على تراجع منسوب المياه في المنطقة.

حوض أم الربيع.. إحصائيات ومجهودات رسمية

وتجدر الإشارة إلى أن وزارة التجهيز والماء كانت قد كشفت في معطيات صادرة عنها حول نسبة ملء الأحواض المائية الوطنية، أن النسبة الإجمالية لملء حقينة السدود بالمغرب، بلغت 26.58 بالمائة، أي باحتياطي أربعة مليارات و285 مليون متر مكعب، وهو ما يعادل زيادة تقدر بـ 0.95 بالمائة، لافتة إلى أن نسبة ملئ حوض أم الربيع بلغت كذلك 6.56 بالمائة.

وجدير بالذكر أيضا أن الوزارة كانت قد أعلنت في أبريل الماضي، بالتعاون مع وكالة الحوض المائي لأم الربيع، عن تنفيذ مشروع استراتيجي للربط المائي، واحد داخلي والآخر خارجي من أجل تحسين الربط بين الأحواض المائية داخل الحوض، وبين سدود الحوض والأحواض المجاورة خارجه.

وفيما يتعلق بالربط الخارجي، فإن المشروع يقوم على ربط سد المنع في حوض سبو بسد سيدي محمد بن عبد الله بحوض أبي رقراق، وسد المسيرة بإمفوت، من أجل تعزيز مستوى توزيع المياه وضمان وصولها للمناطق المنخفضة في حوض أم الربيع.

ومن أجل تحسين استفادة المناطق الداخلية في حوض أم الربيع، وضعت الوكالة استراتيجية الربط الداخلي عبر ربط سد قصبة تادلة بحوض أفورار من خلال قناة يبلغ طولها 50 كيلومتر، إلى جانب محطات ضخ المياه يصل علوها إلى 30 متر.

ويشار إلى أن وكالة الحوض المائي ببني ملال كانت قد أشارت أنها تقوم بإنجاز سدود كبرى كسد تاكزيرت بإقليم بني ملال بتكلفة 1500 مليون درهم، بسعة حقينة تقدر بـ83 مليون متر مكعب، إلى جانب سد سيدي إدريس الكبير بسعة حقينة تقدر بـ140 مليون متر مكعب، وبقيمة مالية تبلغ 1300 مليون درهم.

كما تمت برمجة سد تيوغزا بإقليم أزيلال الذي تبلغ سعة حقينته 160 مليون متر مكعب، بكلفة إجمالية قدرها 1500 مليون درهم، ناهيك عن مشروع تعلية سد إمفوت بسعة حقينة تبلغ 60 مليون متر مكعب، وكذا برمجة إنجاز مجموعة من السدود الصغيرة، تعبئة الموارد المائية غير التقليدية من خلال إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة.

تعليقات( 0 )