يحضر المخرج المغربي عز العرب العلوي في فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي لهذه السنة، حيث كان لعشاق السينما موعد مع فيلم “أفريكا بلانكا”، الذي يعد إضافة نوعية وكمية لرصيد السينما المغربية والإفريقية بصفة عامة، مقدماً قصة فرار أم وابنها الألبينو من أفريقيا صوب الفردوس الأوروبي، في قالب يجمع بين الدراما الإنسانية واللمسة الواقعية الاجتماعية.
فصة أفريكا بلانكا:
تدور أحداث “أفريكا بلانكا” حول أم وابنها الألبينو، اللذان يحاولان الفرار من إفريقيا إلى أوروبا بطريقة غير شرعية، عبر رحلة محفوفة بالمخاطر والمغامرات، لا سيما وأن مجموعة من الأخطار تلاحق ابنها، الذي لا يشبه أبناء منطقته بسبب معاناته من حالة صبغية نادرة تجعل بشرته وملامحه شديدة البياض بشكل مختلف تماما عن أقرانه، حيث أن المعتقدات المحلية، تنظر لمن هم في نفس حالته على أنهم نذير شؤم يجب القضاء عليهم، فيما يرى الآخرون أنه مصدر للخير والرزق، ما يرفع من فرص تعرضه للقتل أو الاتجار بالأعضاء.
وفي رحلتهما صوب أوروبا، يعيشان مسارا صعبا ينقل معاناة المهاجرين غير الشرعيين، والمخاطر التي تواجه أطفال الألبينو الذين يعانون من التهميش والتمييز في القارة الإفريقية، وذلك في حبكة درامية يعبر من خلالها المخرج عن معاناة إنسانية عميقة تعكس قسوة الحياة والظروف التي يعيشها هؤلاء الأطفال.
تيمة الهجرة وقضايا ثانوية:
يعالج فيلم “أفريكا بلانكا” تيمة الهجرة غير الشرعية من منظور إنساني، مبرزاً الأبعاد النفسية والاجتماعية لهذه الظاهرة، من خلال تصوير رحلة طفل الألبينو ووالدته التي تحاول جاهدة إنقاذ حياة ابنها من بيئة تذم بياضه وتعتبره فأل شؤم، حيث يعكس الفيلم معاناة الكثيرين في إفريقيا الراغبين في أن ينعموا بحياة أفضل بعيداً عن الفقر والبطالة والجهل.
فهذا الفيلم يقدم رؤية واقعية عن التحديات التي تواجه المهاجرين غير الشرعيين، بدءاً من المخاطر الجسدية وصولاً إلى الصدمات النفسية والانسلاخ عن الجذور، كما يتطرق إلى قضايا ثانوية مثل التهميش الاجتماعي، والتمييز العنصري، وحقوق الإنسان.
معاناة أطفال الألبينو في إفريقيا:
وسخر عز العرب العلوي هذا الفيلم لتسليط الضوء على معاناة أطفال الألبينو في القارة الإفريقية. خاصة وأن هؤلاء الأطفال، الذين يعانون من نقص صبغة الميلانين في جلدهم، يتعرضون في بعض الدول الإفريقية كتنزانيا إلى ممارسات عنصرية وظروف قاسية تهدد حياتهم اليومية، فمنهم من تتم المتاجرة بأعضائهم ومنهن من تفتض بكراتهن من قبل مرضى السيدا للاعتقاد بأنها تقضي على مرض الآيدز.
تأتي هذه المعاناة لتكون جزءاً أساسياً من السرد القصصي للفيلم، مما يبرز أهمية هذه القضية الإنسانية، عبر التركيز على حقوق أطفال الألبينو وحاجتهم للحماية والدعم، من خلال مشاهد مؤثرة تعكس واقعهم الأليم والمعاملة الظالمة التي يتعرضون لها، مما يعزز الرسالة الإنسانية للفيلم.
ويؤكد فيلم “أفريقيا بلانكا”، الذي كان قد استفاد من دعم المركز السينمائي المغربي، على أهمية الشراكة المغربية الإفريقية في قطاع السينما، التي من الممكن أن تفضي إلى أعمال متميزة، شبيهة بهذا الفيلم الذي عرف مشاركة نسبة 90 بالمئة من الممثلين الأفارقة، ما يعد سابقة في تاريخ السينما بالمملكة.
ويعد عز العرب العلوي واحد من أبرز المخرجين المغاربة في الوقت الحالي، وقد استطاع بفنه أن يلفت الأنظار إلى قضايا إنسانية واجتماعية هامة. فمن خلال أعماله، يعبر العلوي عن رؤيته الفنية التي تتناول مواضيع تمس الواقع المغربي والإفريقي بشكل عام، بأسلوب إخراجي يتسم بالدقة في التفاصيل والقدرة على استنطاق العواطف والمشاعر الإنسانية العميقة.
وتزخر مسيرة العلوي، بالعديد من الأفلام الروائية والوثائقية؛ بداية بالفيلم القصير “بيدوزا” لسنة 2004، مرورا بفيلمه الطويل “كيليكيس دوار البوم” لسنة 2018، الذي ظفر بمجموعة من الجوائز العربية والدولية، وكذا فيلم “اندرومان من دم وفحم”، الذي نال عنه ما مجموعه 23 جائزة، وغيرهم من الأعمال الوثائقية والسينمائية.
تعليقات( 0 )