دق رشيد روكبان، رئيس اتحاد المنظمات المغربية التربوية، ناقوس الخطر بخصوص توجه الحكومة إلى تفويت تدبير مراكز الاستقبال والتخييم لجهات استثمارية، معتبرا هذه الخطوة “تسليع للخدمات العمومية”، منتقدا في ذات الوقت ما وصفه بـ”التكتم الشديد” على هذه الخطوة دون إشراك للفعاليات الجمعوية.
ولفت رئيس اتحاد المنظمات المغربية التربوية، في هذا الحوار الذي أجراه معه موقع سفيركم الإلكتروني، إلى خطورة تحويل مؤسسات الطفولة والشباب إلى خدمات مؤدى عنها تفقد طابعها العمومي، مقدما تفاصيل حول المراكز التي سيجري تفويتها، وكذا تداعيات ذلك على مبدأ تكافؤ الفرص، مستنكرا في ذات الوقت الاستمرار في إغلاق هذه المراكز وغياب إشراك الجمعيات والمنظمات التربوية في اتخاذ هذا القرار، مشيرا إلى الخطوات التي يعتزم الاتحاد اتخاذها لحماية هذه المرافق من التفويت.
وهذا نص الحوار الذي أجراه موقع “سفيركم” مع رشيد روكبان ، رئيس اتحاد المنظمات المغربية التربوية:
ما تعليقكم على تفويت هذه المؤسسات ذات الخدمة العمومية إلى مؤسسات استثمارية؟ وما انعكاسات ذلك على طبيعة الخدمات المقدمة؟
نحن نرى في هذا التوجه الحكومي خطوة مقلقة تمس جوهر البعد الاجتماعي للدولة، وتميل إلى تسليع خدمات عمومية ذات طابع سوسيوتربوي لطالما اعتُبرت حقا أساسيا للأطفال والشباب. حين يُسلم تدبير مؤسسات الطفولة والشباب لجهة استثمارية يحكمها منطق السوق وتحقيق الأرباح، حتى وإن لم تكن هذه الجهة قطاعا خاصا بالمعنى الكامل للكلمة، فنحن لا نتحدث فقط عن تغيير في طريقة التدبير، بل عن تحول في الفلسفة نفسها: من خدمة عمومية اجتماعية تربوية موجهة للتنشئة والتربية على المواطنة، إلى سلعة يرتبط الوصول إليها بالقدرة على الأداء.
وهذا يهدد بتقويض مبدأ تكافؤ الفرص في الاستفادة من الفضاءات التربوية، وبتراجع الأدوار الحيوية التي لعبتها هذه الفضاءات من خلال احتضانها لفعاليات الجمعيات والمنظمات في تأطير الناشئة وتنمية قدراتهم.
نتساءل: لعقود والقطاع الوزاري المعني هو من كان مسؤولا عن تسيير وتدبير هذه الفضاءات وبشكل مباشر، فلماذا اليوم يتخلى ويتراجع عن هذا الدور؟ ولماذا يلجأ إلى جهة أخرى ويفوض/يفوت لها عملية التدبير؟
قرّبونا من تفاصيل المراكز المراد تفويتها؟
الأمر يتعلق بشبكة مراكز الاستقبال ومراكز التخييم من الجيل الجديد، والمنتشرة عبر التراب الوطني بحمولات متفاوتة، توفر إمكانيات التغذية والمبيت بأثمنة تراعي قدرات الجمعيات. وهي الآن مغلقة للموسم الثاني على التوالي بسبب الأشغال، ونثمن بالمناسبة عمليات إصلاحها، سواء ما خضع منها للتأهيل أو للتجهيز.
ورغم انتهاء أشغال الإصلاح، إلا أن القطاع الوصي لا يزال مصرا على إغلاقها في وجه مرتفقيها من جمعيات ومنظمات تربوية وشبابية وأندية وغيرها.
هذه الفضاءات ليست مجرد مبان، ولا يمكن أن تتحول إلى فنادق أو ما شابهها، بل هي محطات حيوية في المسارات التكوينية والتأطيرية والترفيهية لآلاف الأطفال والشباب، ومرتبطة عضويا بالدور التأطيري الذي تؤديه الجمعيات منذ عقود.
الأمر لا يختلف عن دور المدرسة العمومية! هل يمكن أن نتخيل تفويت تدبير المدرسة العمومية لجهة استثمارية تغلّب منطق الربح؟
ما يثير القلق أيضا هو أن التحضير لهذا التفويت يجري في تكتم شديد، وفي غياب تام لأي حوار أو إشراك فعلي للشركاء الجمعويين؛ فلا مقاربة تشاركية، ولا ديمقراطية تشاركية، ولا اعتراف بأدوار المجتمع المدني. وكأن الأمر يتعلق بسلعة لا بمرفق عمومي له بُعد اجتماعي وتربوي أساسي وواضح.
ما هي الخطوات التي تعتزمون اتخاذها لحماية هذه المرافق من التفويت؟
نحن نعتبر أنفسنا معنيين بشكل مباشر بهذا الملف، ليس فقط بحكم موقعنا في الحقل الجمعوي، بل انطلاقا من التزامنا الأخلاقي ومسؤوليتنا التاريخية تجاه الأجيال القادمة.
لذلك، باشرنا تحركات واتصالات على مستويات متعددة، بدءا بلقاءات تنسيقية بين مكونات اتحاد المنظمات المغربية التربوية وفي نطاق أجهزته. وبعد تأكدنا، للأسف الشديد، من تجاهل النداءات التي تقدمنا بها للقطاع الوزاري المعني قصد فتح نقاش وحوار حول الموضوع، انتقلنا إلى المرحلة الموالية عبر إطلاق حملة وطنية ترافعية متعددة الأبعاد والمستويات وحتى الصيغ. وشرعنا فعليا في القيام باتصالات قصد تشكيل جبهة مدنية موسعة للدفاع عن فضاءات ومؤسسات الطفولة والشباب.
الأمر يتعلق بقضية مجتمعية تتجاوز سياسة حكومية ظرفية مؤقتة أو فترة انتدابية؛ ما يحركنا هو حسنا الوطني، والإبقاء على هذه الخدمة بطابعها العمومي الاجتماعي التربوي، لأننا نستثمر من خلالها في الإنسان، في الرأسمال البشري.
طبعا، نهدف من هذه الحملة الترافعية إلى فتح نقاش عمومي شفاف حول مصير هذه الفضاءات، والدفاع عنها باعتبارها إرثا وطنيا وجب تحصينه.
نحن لا نطالب بالمستحيل، بل بحق طبيعي في المشاركة في القرارات التي تمس مجال اشتغالنا، انطلاقا من الإيمان بأن لا إصلاح حقيقي دون إشراك فعلي للفاعلين الميدانيين.
ينبغي ألا ننسى بأن أطر ومناضلات ومناضلي الجمعيات والمنظمات التربوية والشبابية الشريكة بقطاع الشباب هم الذين يؤطرون ويُنَشّطون دور الشباب والمخيمات ومختلف مراكز الطفولة والشباب، مؤمنين بثقافة وقيم التطوع، ومستعدين للعطاء والتضحية، ومتشبعين بروح وطنية صادقة، ومغلبين للمصلحة العليا لوطنهم أولا وأخيرا.
نحن نقوم بدورنا، وبواجبنا الوطني الذي يفرضه علينا ضميرنا الجمعي، وبنية صادقة. نتمنى من الحكومة أن تعترف بأدوار المجتمع المدني، وتقبل بالحوار والنقاش حول الموضوع، وأن تقتنع بلا جدوى عملية تفويت التدبير، وبانعكاساتها السيئة جدا على الخدمة التربوية والأدوار المجتمعية التي تضطلع بها هذه الفضاءات.