في ظل التحديات البيئية العالمية والتهديدات المتزايدة لاستنزاف الموارد الطبيعية، ظهر مفهوم الاقتصاد الأخضر كحل مبتكر يهدف إلى تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.
ويتطلب الاقتصاد الأخضر الانتقال من نماذج النمو التقليدية، التي تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري وتسبب تلوثا بيئيا كبيرا، إلى نماذج جديدة تستخدم الموارد بكفاءة وتقلل من الأثر البيئي السلبي.
وفي هذا السياق تحدث سعيد شكري خبير ومستشار في قضايا البيئة والتغيرات المناخية، في حوار له مع جريدة “سفيركم” عن أهمية ودور الاقتصاد الأخضر في المغرب.
كيف بدأ الاقتصاد الأخضر في المغرب؟
-بدأت ملامح الاقتصاد الأخضر في الظهور بشكل واضح في المغرب منذ أواخر العقد الأول من الألفية الثالثة، وتبنى المغرب هذا النهج بناء على الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية باريس للمناخ، وبناء على سياسات محلية تهدف إلى حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة.
وكانت أحد الخطوات الأساسية في هذا الاتجاه هي الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، فالمغرب يتمتع بإمكانات كبيرة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وقد استغل هذه الإمكانات بشكل فعال، فمشروع “نور” في ورزازات، على سبيل المثال، هو أحد أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في العالم ويعد نموذجا ليس فقط على المستوى الوطني بل أيضا على المستوى العالمي، ويوفر هذا المشروع الطاقة النظيفة لملايين المنازل ويقلل من انبعاث الغازات الدفيئة.
وإلى جانب ذلك، ركز المغرب على تطوير تقنيات حديثة لإدارة الموارد المائية.
وفي ظل التحديات المرتبطة بنقص المياه والتغير المناخي والجفاف، أصبحت تقنيات مثل تحلية مياه البحر وتدوير مياه الصرف الصحي ضرورية، وتحلية مياه البحر، على سبيل المثال، ساهمت بشكل كبير في توفير مياه الشرب لمناطق تعاني من ندرة المياه، مما يعزز الأمن المائي في البلاد.
كيف يمكن للمجتمع المدني أن يساهم في تحقيق أهداف الاقتصاد الأخضر؟
-يلعب المجتمع المدني دورا حيويا في تعزيز الاقتصاد الأخضر من خلال نشر الوعي والتثقيف وتنظيم المشاريع المجتمعية، ويتفاوت دور المجتمع المدني بحسب نوعه وأهدافه، إلا أن هناك اتفاقا على أهمية توعية المواطنين بأهمية الاقتصاد الأخضر وكيفية المشاركة في تحقيق أهدافه.
ما هي الخطوات التي يمكن أن تتخذها المنظمات غير الحكومية لتعزيز هذا الدور؟
-تقوم الجمعيات والمنظمات البيئية بتنظيم حملات توعية حول أهمية تقليل النفايات وتدويرها، والحفاظ على الموارد المائية، فعلى سبيل المثال، تركز بعض الجمعيات على توعية المزارعين بأهمية الزراعة العضوية التي لا تستهلك كميات كبيرة من المياه وتستخدم الطاقة الشمسية، مما يقلل من الأثر البيئي السلبي للزراعة التقليدية.
وبالإضافة إلى التوعية، يساهم المجتمع المدني في تنفيذ مشاريع مجتمعية تعزز الاقتصاد الأخضر، ومن هذه المشاريع، الزراعة العضوية والزراعة الأكروبيولوجية التي تعتمد على موارد محلية وتقلل من استهلاك المياه، ويمكن للمجتمع المدني أن يكون حاضنا لهذه المشاريع وأن يقدم الدعم الفني والتقني للمزارعين، مما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة على المستوى المحلي.
كيف يمكن للمغرب الاستفادة من الشراكات الدولية في تطوير الاقتصاد الأخضر؟
-لم يتوقف المغرب عند حدوده، بل استفاد بشكل كبير من الخبرات الدولية في مجال الاقتصاد الأخضر، وتعد ألمانيا، على سبيل المثال، من الدول الرائدة في هذا المجال، وقد أبرم المغرب العديد من الشراكات مع المؤسسات الألمانية للاستفادة من تقنياتها المتقدمة في إنتاج الطاقة المتجددة وإدارة الموارد.
وتركز هذه الشراكات على تدريب الكوادر المحلية وبناء القدرات في مجال الاقتصاد الأخضر، حيث يتم تنظيم دورات تدريبية وورش عمل لتعريف العاملين في هذا المجال بأحدث التقنيات والممارسات، مما يساعد في نقل المعرفة وتطوير الخبرات المحلية.
ما هي السياسات الحكومية الحالية التي تدعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر في المغرب؟
تعكف الحكومة المغربية على تعزيز الاقتصاد الأخضر من خلال تبني سياسات واستراتيجيات وطنية تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة، وإحدى هذه السياسات هي الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، التي تتضمن محورا كاملا يركز على الاقتصاد الأخضر.
وتهدف هذه الاستراتيجية إلى دمج الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، حيث يتم من خلال هذه الاستراتيجية تشجيع الاستثمارات في مجالات الطاقة المتجددة وإعادة تدوير النفايات وإدارة الموارد المائية.
وفي إطار هذه الجهود، تبنت الحكومة سياسات لتعزيز إعادة تدوير النفايات، حيث يتم تدوير البلاستيك والكرتون وغيرها من المواد التي كانت تُهدر في الماضي، وتستخدم هذه المواد في إنتاج منتجات جديدة، مما يقلل من الحاجة إلى الموارد الأولية ويقلل من النفايات الصلبة.
ماهي أهمية الاقتصاد الأخضر، وأهم الاتفاقيات الدولية في هذا المجال؟
-يشكل الاقتصاد الأخضر جزءا من الالتزامات الدولية للمغرب، وخاصة فيما يتعلق باتفاقية باريس للمناخ، حيث تلتزم الحكومة بتطبيق سياسات الكربون المنخفض وتعزيز الاقتصاد الأخضر لضمان صحة البيئة وتحقيق التنمية المستدامة.
وتنص اتفاقية باريس للمناخ على ضرورة خفض انبعاثات الغازات الدفيئة والحد من الاحترار العالمي، ويعتبر الاقتصاد الأخضر أداة فعالة لتحقيق هذه الأهداف، ومن خلال الاستثمار في الطاقات المتجددة وتحسين إدارة الموارد، يساهم المغرب في الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.
وعلى المستوى المحلي، تعمل الحكومة على تعزيز السياسات التي تدعم الاقتصاد الأخضر، ويتضمن الدستور المغربي حق العيش في بيئة صحية، مما يعزز الالتزام بتطبيق سياسات بيئية صارمة.
ويتجه المغرب نحو مستقبل يعتمد على الاقتصاد الأخضر كوسيلة لضمان الاستدامة البيئية وتحقيق التنمية المستدامة، من خلال تبني التكنولوجيا المتقدمة والاستفادة من التمويلات والخبرات الدولية، كما يعمل المغرب على تعزيز هذا النموذج الاقتصادي لضمان بيئة صحية ومستدامة للأجيال القادمة، ويعتبر الاقتصاد الأخضر ليس فقط ضرورة بيئية ولكن أيضا فرصة اقتصادية لتطوير البنية التحتية وتعزيز النمو الاقتصادي في البلاد.
تعليقات( 0 )