يسائل فتيل الحرب المشتعلة حديثا بين الهند وباكستان، موقف عدد من دول العالم سواء المؤثرة في موازين القوى دوليا بشكل بارز أو غير المؤثرة، على حد سواء، كما يسائل أدوار مؤسسات المنتظم الدولي المسؤولة على حفظ السلم والاستقرار.
ومن أبرز ما يطفو على السطح عند كل مواجهة عسكرية بين بلدين، سؤال إلى أي طرف من الطرفين تميل الأطراف الثالثة التي عادة ما تكون ترتبط بعلاقات متشعبة مع البلدين المتصارعين، وهو ما ينطبق حاليا على المغرب في الصدام الهندي الباكستاني.
دعم راسخ لقضية الصحراء
يرتبط المغرب بكل من الهند وباكستان بعلاقات جيدة ومهمة، ولا سيما أن نيودلهي وإسلام أباد يدعمان الوحدة الترابية للمغرب وسيادته على الصحراء، بالإضافة إلى ارتباطهما بالرباط بعلاقات عسكرية واقتصادية شهدت تطورات مهمة في السنوات الأخيرة.
وبدءا بالهند، فقد أوردت “جون أفريك” في مقال نشرته مطلع سنة 2023، أن تاريخ العلاقات المغربية-الهندية لا يعود إلى اليوم، مردفة أن العلاقة بينهما شهدت منعطفا كبيرا في فبراير 2000، عندما سحبت الهند، عقب زيارة رئيس الوزراء المغربي في ذلك الوقت، عبد الرحمن اليوسفي، اعترافها ب”الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية”.
مجلة “جون أفريك”، أوضحت أن “اليوسفي كان يتمتع بهالة غير عادية وتعاطف مع الهنود، كشخصية تاريخية لليسار والاستقلال”، مشيرة إلى اعتماد الوزير الأول للحكومة المغربية على شبكته الكبيرة في الدوائر الاشتراكية الديموقراطية الهندية، الموالية تقليديا للبوليساريو، للترويج للقضية المغربية.
واستمر دعم الهند لموقف المغرب بشأن قضية الصحراء منذ ذلك الحين، وهو الشيء الذي أشار له الملك محمد السادس في خطابه بنيودلهي عام 2015، حيث قال “نعرب عن تقديرنا للموقف البناء لجمهورية الهند بشأن قضية الصحراء المغربية، ودعمها لعملية الأمم المتحدة المكرسة لتسوية قضية الصحراء المغربية”.
وجدير بالذكر أن وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، استقبل يناير المنصرم في الرباط، سانجاي رانا الذي قدم نسخًا من أوراق اعتماده بصفته سفيرًا مفوضًا فوق العادة لجمهورية الهند بالمملكة، وهو اللقاء الذي تم فيه التباحث حول تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، بما يخدم مصالح الشعبين الصديقين.
باكستان بدورها تحتفظ بعلاقات ديبلوماسية جيدة بالمملكة، تمتد جذورها منذ سنوات الخمسينيات حيث ساعدت باكستان سنة 1952 أحمد بلافريج، أحد زعماء الحركة الوطنية المغربية، على مخاطبة مجلس الأمن الدولي ضد السيطرة الفرنسية.
وكان بلافريج قد واجه معارضة شرسة من فرنسا التي ادعت أن المغرب، كونه مستعمرة فرنسية، لا يمكن السماح له بالتحدث في الأمم المتحدة، قبل أن يرتب وزير الخارجية الباكستاني، السير ظفر الله خان، على الفور إجراءات إصدار جواز سفر باكستاني، ليسمح له بالتحدث أمام المجلس في اليوم التالي.
وشكل هذا التعاون تعبيرا مباشرا عن دعم باكستان لاستقلال المملكة، الدعم الذي حافظت عليه أيضا علاقة بالقضية الوطنية الأولى، فقد قال حميد أصغر خان سفير الباكستاني في شهر غشت 2021 بالرباط، خلال لقاء بوسائل الإعلام المغربية، إن بلاده لديها موقف واضح من قضية الصحراء المغربية، فهي لم تعترف أبدا لا بجبهة “البوليساريو” ولا بما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، مضيفا “دائما ساندنا المغرب في المسار الأممي”.
تعاون اقتصادي وعسكري لافت
تشهد العلاقات بين المملكة المغربية وجمهورية باكستان الإسلامية تطورا لافتا على المستويين الاقتصادي والعسكري، حيث بلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين خلال عام 2021، وفقا لقاعدة البيانات الإحصائية للأمم المتحدة، نحو 598.4 مليون دولار.
واستحوذت الصادرات المغربية على الحصة الكبرى بقيمة 552 مليون دولار، في حين بلغت قيمة الصادرات الباكستانية 46.4 مليون دولار.
ويرتكز التعاون الاقتصادي بين الطرفين على تصدير المغرب لمواد استراتيجية مثل حامض الفوسفوريك، وفوسفات الأمونيوم الثنائي، والفوسفات الصخري، فيما توفر باكستان للمملكة مجموعة من السلع المصنعة، تشمل قماش الدنيم، والأدوات الجراحية، والقفازات الجلدية.
عسكريا، احتضن مركز تدريب القوات الخاصة بمدينة “شيرات” الباكستانية منتصف أبريل الماضي افتتاح النسخة الثالثة من التمرين العسكري المشترك بين القوات المسلحة الملكية المغربية والجيش الباكستاني، والمتخصص في مكافحة الإرهاب، بحسب ما أفادت به مديرية العلاقات العامة في الجيش الباكستاني.
وشاركت في هذه التدريبات مجموعة الخدمات الخاصة التابعة للجيش الباكستاني، إلى جانب القوات الخاصة المغربية، وذلك بهدف تطوير المهارات العملياتية وتعزيز التعاون العسكري من خلال تبادل الخبرات في مجال مكافحة الإرهاب.
وجاء هذا التمرين بالتزامن مع النسخة الثامنة من مناورات “روح الفريق الدولي” التي ينظمها الجيش الباكستاني بمشاركة عدة دول صديقة، من بينها المغرب، السعودية، قطر، الولايات المتحدة الأمريكية، مصر، جنوب إفريقيا، وكينيا التي شاركت بصفة مراقب.
وبالرجوع إلى الهند فإن العلاقات المغربية الهندية، شهدت هي الأخرى طفرة نوعية في السنوات الأخيرة، خاصة بعد اقتناء المغرب لمعدات عسكرية من شركة “تاتا” الهندية، بالإضافة إلى تبادل الزيارات بين كبار المسؤولين العسكريين في البلدين.
وتعتبر زيارة السفينة الحربية الهندية (INS) إلى ميناء الدار البيضاء، في وقت سابق، والتي سبقتها تدريبات بحرية مشتركة بين البحرية الهندية ونظيرتها المغربية، من أبرز مظاهر هذا التعاون.
وشكلت هذه اللقاءات فرصة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، بما يخدم مصالح الرباط ونيودلهي.
الانحياز لا يخدم المغرب
صنف الخبير في العلاقات الدولية، خالد الشيات الحرب بين الهند وباكستان، في نطاق مايسمى بالحروب الهامشية بالعالم، موضحا أنها ليست بالحرب البسيطة بل يمكن أن تكون مدمرة لعوامل كثيرة من بينها أن البلدين معا يمتلكان السلاح النووي الشيء الذي يشكل عاملا للتهديد”.
وتابع الشيات في تصريح خاص لصحيفة “سفيركم” الإلكترونية، أن “هناك عوامل كثيرة لنشوء مثل هذه النزاعات بالنظر لترهل وضعف المؤسسات الدولية وعلى رأسها المنظمات الدولية”، مشيرا بدرجة أولى إلى الأمم المتحدة، الأمر الذي ينذر أيضا بترقب وجود تحولات كثيرة على مستوى المنظومة الدولية نحو نظام آخر، وِفقا لتعبير المتحدث.
وبخصوص طبيعة الموقف المغربي اتجاه الحرب، أكد الشيات أن المغرب يدرك منذ زمن بعيد وجود نزاع بين البلدين ويتعامل على هذا الأساس ليس فقط عندما يتعلق الأمر بالهند وباكستان، بل أيضا في مسألة غياب التفاهم بين اليونان وتركيا وبين كوريا الجنوبية والشمالية، مشيرا إلى أن المغرب لديه وعي بمجموعة من المناطق التي فيها نوع من عدم التفاهم بين دولتين مجاورتين.
واستدرك المتحدث ذاته أن النزاع بين الهند وباكستان، لم يمنع المملكة من بناء علاقات متميزة على مستويات متعددة اقتصادية واستراتيجية وأمنية مع البلدين معا.
الخبير في العلاقات الدولية، أوضح لـ”سفيركم”، أن جميع الدول ستحافظ على علاقتها مع الدولتين دون المساس والتدخل لصالح طرف على حساب طرف، متوقعا أن المنتديات التي تجمع المغرب بباكستان والتي من بينها منتدى التعاون الإسلامي يمكن أن تشهد نوعا من التضامن الجماعي للدول الاسلامية.
ويرى الشيات أن المغرب لا يمكن أن يكون منحازا لدولة من الدولتين بالنظر للتكلفة التي قد تنتج عن هذا الانحياز، مضيفا أن المغرب ليس ملزما بالانحياز أو بتصريف موقف لصالح إحدى الدولتين.