كشفت صحيفة الـ”بي بي سي” البريطانية، أن عددا من رسائل الحب التي كانت قد كتبت لرجال مغاربة من نساء إسبانيات إبان فترة الاستعمار، والتي بقيت حبيسة الأرشيف، “تجسد تاريخ علاقات إنسانية وقصص حب محظورة لم يكتب لها أن تكتمل”.
وجاء في مقال نشرته الصحيفة، يوم أمس الثلاثاء، أن هذه الرسائل “بقيت حبيسة الأرشيف الإسباني، إلى جانب المئات من رسائل الحب بين نساء إسبانيات ورجال مغاربة”.
وتابعت الصحيفة أن هذه الرسائل، جرت مصادرتها في الفترة بين الثلاثينيات والخمسينيات، لكونها “توثق لعلاقات عاطفية محظورة”، إذ قررت السلطات الاستعمارية الإسبانية في المغرب إخفاءها.
وجاء في إحدى هذه الرسائل، التي كتبتها امرأة إسبانية تدعى كارميلا، في غرناطة خلال سنة 1944: “متى ستعود إلى إسبانيا؟..قل لي أنك لا تنظر إلى أي امرأة أخرى”.
وفي رسالة أخرى، قالت امرأة من فالنسيا لرجل مغربي: “أنا مجنونة بك… أنا مثل ماعز بالنسبة لك”.
وحسب الصحيفة، كانت كل رسالة تحتوي على صور نساء بتسريحات شعر أنيقة لتذكير أحبائهن البعيدين عنهن بمظهرهن، ومن بين هذه الصور، كانت واحدة لامرأة وهي تركب دراجة هوائية، في لحظة عفوية من الحياة اليومية.
Spanish-Moroccan letters of forbidden love that were never received
وأشارت الصحيفة إلى أن تصنيف هذه الرسالة كان يتم بعناية فائقة من قبل الموظفين، لكنها نُسيت وسط الوثائق الروتينية للإدارة وتراكم عليها الغبار، حتى عثر عليها ونشرها أكاديميان إسبانيان، وهما خوسيب لويس ماتيو دييستي ونيفيس موريل غارسيا.
“وتمنح كل رسالة لمحة جميلة عن علاقة كاملة، لكن كل واحدة تروي القمع الذي واجهته هذه العلاقات، خاصة وأن السلطات الإسبانية بذلت كل ما في وسعها لجعلها مستحيلة”، وفقا للصحيفة.
وذكرت الـ”بي بي سي”، أن القانون الإسباني في عام 1937، تضمن قاعدة تقول: “بشكل عام، يجب أن يتم منع الزواج بين الجنود المغاربة والنساء الإسبانيات”.
ومنذ سنة 1912، فرضت إسبانيا الحماية على جزء من المغرب، حيث كانت البلاد مقسمة لمنطقتين، واحدة تحت النفوذ الإسباني والأخرى تحت النفوذ الفرنسي.
ولم يقبل المقاومون المغاربة بذلك، فقاوموا السلطات الإسبانية، حيث ذاع صيتهم خلال الحرب الطويلة والدموية بين عامي 1921 و1926، التي شهدت ضعف الجيش الإسباني وهزيمته على يد قوات التحرير، بزعامة عبد الكريم الخطابي.
وللتغلب على قوة المغاربة، قررت إسبانيا زيادة عدد قواتها في المغرب، وجندت آلاف المغاربة للخدمة في جيشها.
وفي سنة 1936، تزعم الجنرال فرانسيسكو فرانكو انقلابا ضد الحكومة الاسبانية، الأمر الذي دفع إسبانيا إلى إرسال آلاف المغاربة المجندين في الجيش إلى إسبانيا للقتال ضد قواته، التي كادت أن تتسبب في حرب أهلية.
وبعد الحرب، انضم العديد من الطلاب والتجار وغيرهم من العمال إلى المجندين، واستقروا في جميع أنحاء البلاد، في المدن وكذلك في المواقع الريفية البعيدة، وفي أي مكان كان يلتقي الرجال المغاربة بالنساء الإسبانيات.
وذكرت الصحيفة أيضا قصة حب لامرأة تُدعى كونشا بنصار، وجندي مغربي كان في سالامانكا، وكان يجمعهما حب جنوني دفعها لتكتب رسالة إلى رؤسائه من أجل الحصول على إذن للزواج منه، في سنة 1938، لكن طلبها كان مرفوضا من قبل السلطات الإسبانية.
وعبر المسؤولون عن “اشمئزازهم” من كونشا، التي كانت في نظرهم مجرد “عجوز، قبيحة مثل الفيلة ولديها مشية طفيفة”، وكانوا يشككون، وفق الصحيفة، في أن الجندي المغربي أظهر اهتمامه بها فقط لأنها كانت تمتلك منزلا.
وكشف المصدر، أن الأوامر الرسمية كانت تنص على وضع “أكبر قدر ممكن من الصعوبات” لمنع هذه العلاقات “دون حظر صريح”، وعلى سبيل المثال، ورد في إحدى الأوامر في سنة 1937، أنه إذا عثر على امرأة تكتب إلى رجل مغربي، سيتم منعها من دخول المغرب، وفي الكثير من الأحيان، يواجه الرجل المغربي بدوره الحظر من دخول إسبانيا، مما يجعل علاقتهما مستحيلة.
وفي سنة 1948، وقفت السلطات الإسبانية حاجزا دون وصول رسالة من فتاة تدعى كارمن من سرقسطة وحبيبها عبد السلام في المغرب، حيث حظرت من تطوان عبور هذه الرسالة إلى الداخل.
وفي الرسالة، كتبت كارمن أخبارا عن ابنتهما، وقالت إنها “ستكبر دون رؤية والدها، لكن “السلطات لم تكثرت أبدا للطفلة وكل ما كان يهمها هو سياستها”، نقلا عن الصحيفة.
وكانت الحكومة الإسبانية آنذاك، حسب الصحيفة، عدوانية تجاه المرأة، ومتحكمة بصرامة في حركة النساء، كما أنها كانت تتخذ دور المدافعة عن المسيحية، ولأسباب دينية، كان ينظر إلى النساء اللواتي يقررن الزواج من رجال مسلمين على أنهن “بعيدات عن الإيمان”.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن هذه السياسة التي نهجتها إسبانيا، كانت بسبب ما أطلق عليه “بريستيجيو دي راسا”، “سمعة العرق”، موضحة: “فمن أجل الاستمرار في سيطرتها الاستعمارية، كان لزاما عليها أن تظهر بصورة أفضل من المغرب”.
ونظرت إسبانيا في ذلك الوقت إلى هذا الزواج المختلط على أنه “تحكم في المرأة من قبل الرجل”، فبالنسبة لها أي زواج عبر الحدود الاستعمارية سيجعل المرأة الإسبانية تخضع للرجل المغربي، وإن أصبح هذا الأمر متداولا، فإنه سيضع أساسا لهدم سلطتها الاستعمارية على المغرب.
تعليقات( 0 )