بقلم: د.جمال الدين الورياغلي
شهدت عاصمة النخيل مراكش الاثنين الماضي تنظيم حفل “كاف أوردر 24” وذلك للمرة الثانية على التوالي والثالثة بعد العاصمة الرباط سنة 2022. وهو الحفل الذي تقيمه سنويا الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، المعروفة اختصارا بـ”كاف”، لتوزيع الجوائز وتتويج “الأفضل” عن الموسم المنقضي في عالم كرة القدم الإفريقية، سواء تعلق الأمر بلاعبين، أندية، أو منتخبات بصنفيها النسائي والرجالي، بل وحتى أفضل موهبة صاعدة وأفضل هدف، دون إغفال الحكمات والحكام الذين تألقوا كذلك خلال نفس الموسم.
وقد بلغ عدد الجوائز خمس عشرة جائزة موزعة على الفئات المذكورة، غير أن أهمها على الإطلاق والتي تشد لها أنظار المتابعين هي جائزة أفضل لاعب إفريقي للسنة، والتي يُطلق عليها كذلك “الكرة الذهبية الإفريقية”. وهي جائزة تاريخية كانت تشرف عليها قبل سنة 1992 مجلة “فرانس فوتبول” التي تمنح كذلك الكرة الذهبية العالمية، قبل أن تتولى الكاف منحها بعد تلك السنة. وتوّج بها أساطير كرة القدم الإفريقية الذين تألقوا على الملاعب القارية أو الدولية ضمن أقوى الفرق العالمية. ويكفي للتدليل على قيمة تلك الجائزة ورمزيتها أن أربعة لاعبين فقط من المغرب توّجوا بها طوال تاريخ الكرة المغربية، كان آخرهم مصطفى حجي قبل أكثر من ربع قرن.
وقد بقي في المنعطف الأخير لسباق الحصول عليها خمسة لاعبين وهم: المغربي أشرف حكيمي لاعب نادي “باريس سان جيرمان” الفرنسي، والدولي النيجيري “قاديمولا لوكمان” لاعب “أتلانتا” الإيطالي، والإيفواري “سيمون أدينغرا” لاعب “برايتون” الإنجليزي، والغيني “سيرهون غيراسي” لاعب “بوروسيا دورتموند” الألماني، و”رونوين ويليامز” لاعب “صن داونز” الجنوب إفريقي. وقد كان التتويج من نصيب اللاعب النيجيري بعد أن حصل على أكبر عدد من أصوات مدربي وعمداء المنتخبات الإفريقية ولاعبي الأندية المشاركة في المنافسات القارية وبعض من الصحافة الرياضية، الذين تعتبر أصواتهم حاسمة في منح الكرة الذهبية الإفريقية.
وبالنظر إلى مدى الأهمية والمتابعة الإعلامية التي تحظى بها تلك الجائزة، فقد ترك تسليمها لنهاية الحفل. غير أن المثير للاستغراب أنه وبمجرد تلاوة رئيس الفيفا “جياني إنفانتينو” بمعية رئيس الكاف “باتريس موتسيبي” اسم اللاعب النيجيري المتوّج، ضجت قاعة قصر المؤتمرات بمراكش، التي احتضنت الحفل، بصيحات وصافرات الاستهجان، تخللها الصياح باسم اللاعب المغربي أشرف حكيمي، تعبيرًا عن عدم الرضا لعدم منحه الجائزة. الأمر الذي خلف صخبًا شوّش على تسليم الجائزة للاعب النيجيري بل وحتى على الكلمة التي ألقاها بعد تسلمه لها.
ولئن كان الحفل قد مر في ظروف تنظيمية متقنة بشهادة جل المتدخلين والحضور، تمامًا كشأن كل التظاهرات والأحداث الرياضية التي سبق للمملكة تنظيمها، إلا أن ما وقع نهاية الحفل شكل نقطة سلبية ومسيئة قد تضر بسمعة المغرب، البلد المضياف المحب لإفريقيا. فالمملكة راكمت تقاليد عريقة في الاعتناء بضيوفها، حتى أولئك الذين يناصبونها العداء، فبالأحرى إذا كان الضيوف أساطير كرة القدم الإفريقية سابقين وحاليين، ورؤساء الاتحادات القارية، ورؤساء أندية ووزراء شباب ورياضة، يتقدمهم جميعًا رئيسا الاتحادين الإفريقي والدولي للعبة. هذا الأخير الذي ما فتئ يردد كلما وطأت قدماه أرض المملكة عبارة “ديما مغرب”، سيما والمملكة مقبلة على تنظيم تظاهرات رياضية قارية وعالمية مهمة، من قبيل كأس إفريقيا للأمم، سيدات ورجال وناشئين، وكأس العالم للناشئات في خمس دورات مقبلة، وكأس العالم لكرة القدم 2030.
هذا، وفي الوقت الذي تقبل فيه الدولي المغربي أشرف حكيمي الأمر بكل روح رياضية، وحضر الحفل إلى جانب أفراد عائلته، تتقدمهم والدته وكذلك رئيس ناديه “باريس سان جيرمان”، القطري ناصر الخليفي، إلا أن البعض أبوا إلا أن يفسدوا تلك اللحظة الرياضية في ضرب لقيم وروح الرياضة. ولعل ضباب الاستغراب سرعان ما ينجلي وينقشع إذا علمنا أن أولئك المشوّشين لا تربطهم صلة بالرياضة ولا بروحها، وإنما دفعهم تأثيرهم في عالم المواقع، فأثروا سلبًا على سمعة البلد في الواقع.
ولعل السؤال الكبير الذي يفرض نفسه في هذه الحالة هو حالة الفصام وتفاوت السرعات التي تتعاطى بها بعض المؤسسات مع ظاهرة التشهير وتجارها الذين يقتاتون على الفضائحية، فيؤثرون سلبًا على سمعة المملكة، وكذا على منظومة الأخلاق والقيم بشكل قد يصعب تداركه وترميمه. ففي الوقت الذي تشهد فيه العديد من محاكم المملكة محاكمات لبعض من هؤلاء، بعد أن تحركت النيابة العامة في الأسابيع الأخيرة وسطرت متابعات في مواجهتهم، نجد أن عينة أخرى منهم تجد مكانًا لها لتؤثث داخل تظاهرات رياضية ينظمها المغرب. ففي الوقت الذي تُوصد فيه الأبواب في وجه صحافيين مهنيين ملتزمين ولاعبين سابقين ومهتمين بالشأن الرياضي، تُفتح لهم الأبواب رغم جهلهم بالرياضة ومعاييرها. وما يؤكد ذلك هو عدم احتجاجهم على منح جائزة السنة الماضية للنيجيري “فيكتور أوسيمين”، رغم أن من كان يستحقها (وبالمعايير المعتمدة هذه السنة) هو الدولي المغربي ياسين بونو الذي توّج مع ناديه السابق إشبيلية الإسباني بالدوري الأوروبي، ووصل مع المنتخب المغربي لنصف نهائي كأس العالم 2022 في إنجاز غير مسبوق إفريقيًا. ومع ذلك، احتجوا هذه السنة، رغم كون اللاعب المتوّج يستحق بحكم نتائجه مع منتخبه (نهائي أمم إفريقيا) وفوزه بالدوري الأوروبي مع فريقه الإيطالي.
ويبقى ما أثار سخط المتابعين والجماهير الرياضية هو أنه مباشرة بعد انتهاء الحفل، تم تداول عبارة “تريتور الكاف” عبر مواقع التواصل. ولعل منطلقها كان من داخل قاعة الحفل نفسه، في إشارة إلى أن المغرب ينظم الحفل للمرة الثالثة دون أن يتوج أحد لاعبيه بالكرة الذهبية. فمع كامل الاحترام لتلك المهنة الشريفة، إلا أن ذلك التوصيف المبتذل فيه إهانة كبيرة لبلدنا الحبيب وقيمه وتقاليده من مرتزقة المواقع، وهو ما يجب القطع معه وبكل حزم. فكما هو شأن كل التحولات الكبرى ونحن في زمن التحول الرقمي، لابد من تأسيس القواعد التي يجب أن ينضبط لها الجميع لنحافظ على قيمنا، كي لا نسقط في التمييع والرداءة، فتتوارى المبادئ ونتفرق، فنصبح هشيما تذروه الرياح.