كشف تقرير حديث أن المغرب مؤهل لقيادة شراكة ثلاثية بينه وبين كل من الصين والاتحاد الأوروبي، في مجال الاعتماد على المعادن في الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، مستفيدا من موارده الطبيعية، وموقعه الجغرافي الاستراتيجي، وتاريخه الحافل بالشراكات الثنائية، وكذا سياساته الصناعية الطموحة في مجالات التعدين والطاقة.
وأكد هذا التقرير الذي نشره معهد أبحاث السياسات الإفريقية “APRI” في موقعه الإلكتروني، والذي أعده الباحث ستيفن دواه أجييمان، بناءا على سلسلة من المقابلات مع 26 خبيرا في مجالات السياسة العامة، والبحوث، والتخطيط الصناعي في المغرب، على أن المغرب أضحى مرشحا رئيسيا للعب دور الوسيط الاستراتيجي في نموذج تعاون ثلاثي يوازن بين مصالح القوى الكبرى ويخدم أولوياته التنموية.
وأضاف المصدر ذاته أن المغرب يمتلك ثروات هامة من المعادن الحيوية للانتقال الطاقي (GTMs) مثل الفوسفاط، الكوبالت، والنحاس، وهي عناصر أساسية في تصنيع البطاريات، الألواح الشمسية، وتكنولوجيا الهيدروجين الأخضر، مؤكدا أن هذه الموارد تمنح المملكة امتيازا جيواقتصاديا لا يستهان به في سياق عالمي يتسارع فيه السباق نحو الطاقة النظيفة.
وذكر التقرير أن ما يعزز مكانة المغرب أكثر هو مرونته الدبلوماسية وتعدد شراكاته الاستراتيجية، مشيرا إلى أنه طور على مدى عقود، علاقات ناجحة مع الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر أكبر شريك اقتصادي له، ويضخ اليوم استثمارات عمومية وخاصة كبيرة في مشاريع الطاقات المتجددة داخل المغرب.
ولفت المصدر ذاته إلى أن المغرب نسج في المقابل علاقات جيدة مع الصين وأبرما معا شراكة استراتيجية في إطار “مبادرة الحزام والطريق”، ما يفتح الباب أمام تدفق الرساميل والتقنيات الصناعية الصينية بشكل سلس وفعال.
واعتبر التقرير أنه على الرغم من اختلاف نماذج التعاون المتبعة من طرف كل من الصين والاتحاد الأوروبي، فالصين تركز على السرعة، والقدرة الإنتاجية، ونقل الخبرة الصناعية، بينما تراهن أوروبا على الجودة، والمعايير البيئية، والتنمية طويلة الأمد، إلا أن الخبراء الدوليون يقترحون إطلاق إطار ثلاثي للتعاون يجمع بين الأطراف الثلاثة، ويوظف نقاط القوة لدى كل طرف بطريقة تكاملية.
واقترح التقرير أن يرتكز الثلاثي على خمسة محاور عملية، أولها؛ إحداث قوة مهام مغربية-أوروبية-صينية لتنسيق السياسات والاستثمارات في معادن التحول الأخضر، وثانيها؛ إنشاء مناطق صناعية خاصة بهذه المعادن بهدف جذب الاستثمارات ونقل التكنولوجيا.
وتشمل المحاور الأخرى، إعداد ميثاق استدامة لتوحيد المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG)، وإطلاق ممر إقليمي في شمال غرب إفريقيا لتسهيل سلاسل التوريد الإقليمية، إلى جانب إصدار قانون للتمكين المحلي، يتوج بإحداث معهد للمهارات الخضراء لتكوين الكفاءات الوطنية في الصناعات الطاقية.
وشدد التقرير على أن المغرب مؤهل ليكون نموذجا لحوكمة متعددة الأقطاب، تجمع بين القوتين الكبيرتين دون أن يكون رهينا لأي منهما، مبرزا أنه يملك بنية تحتية متقدمة، واستقرارا سياسيا، ورؤية تنموية واضحة، فضلا عن انفتاحه على الأسواق الأوروبية والإفريقية والأمريكية، مما يعزز جاذبيته كمحور استثماري في التحول الطاقي.
وتوقع التقرير أن يساهم هذا المقترح في تعزيز القاعدة الصناعية الوطنية، وتوفير فرص شغل ذات مؤهلات عالية، والانتقال من دور المورد للمعادن الحيوية الضرورية للانتقال الطاقي إلى فاعل في سلاسل القيمة المضافة، وبناء قاعدة صناعية متكاملة ترتكز على نقل التكنولوجيا وتكوين الكفاءات المحلية.

