أعلنت وزارة التربية الوطنية، أمس الجمعة، نتائج الامتحان الوطني لنيل شهادة البكالوريا، والتي بلغت نسبة النجاح فيها 68% من عدد الممتحنين، فيما تواصل المترشحات تصدر لوائح الناجحين، حيث بلغت نسبة نجاح التلميذات 71%.
ويطرح تفوق الإناث على الذكور في امتحانات البكالوريا السؤال حول الأسباب التي مكنت المترشحات من تصدر نتائج البكالوريا في السنوات الأخيرة، ولماذا تراجع الذكور في التفوق الدراسي والهيمنة التي كانوا يفرضونها في الامتحانات السابقة.
كما أن نسبة النجاح العامة، والتي بلغت في الدورة العادية للامتحان الوطني نحو 68% من المترشحين، والتي من المرتقب أن تتجاوز 75% بإجراء الدورة الاستدراكية المقبلة، تطرح أسئلة حول حقيقة هذه النسب، ومدى عكسها لجودة التعليم المغربي، وكذا مصير الآلاف من الناجحين في “الباك”، في ظل المشاكل البيداغوجية والمادية التي تعاني منها الجامعات المغربية.
أكد الخبير التربوي عبد الوهاب السحيمي أن “تفوق الإناث في نتائج امتحانات البكالوريا في المغرب يعكس مجموعة من التحولات العميقة على المستوى الاجتماعي والتربوي”، موضحا أن “هذا التفوق يمكن تفسيره من خلال عدة مؤشرات موضوعية، أولها أن الإناث أصبحن يشكلن نسبة ديمغرافية أكبر من الذكور، وفق معطيات الإحصاء العام للسكان الأخير، كما أن التلميذات يتفوقن على الذكور من حيث الانضباط الدراسي، والالتزام بالحضور، والتركيز على التحصيل، مقارنة بالتلاميذ الذكور الذين غالبا ما ينشغلون بمجالات موازية مثل الرياضة أو العمل، أو يسلكون مسارات مهنية خارج التعليم”.
وأشار السحيمي إلى أن “التحصيل الدراسي بالنسبة للفتيات يمثل أفقا لبناء الذات وتحقيق المستقبل، في ظل محدودية البدائل المتاحة خارج المدرسة، عكس الذكور الذين قد يرون في قطاعات غير أكاديمية فرصا للاندماج المجتمعي أو المهني”.
في السياق نفسه، قال السحيمي إن “هناك هوة بين نسب النجاح في امتحانات البكالوريا، التي تجاوزت 67% في الدورة العادية، والتي يتوقع أن تفوق 75% بعد الدورة الاستدراكية، وبين ما تشير إليه التقارير الدولية والوطنية حول واقع التعليم المغربي”، مضيفا أن “هذا التباين يثير تساؤلات مشروعة حول مصداقية منظومة التقييم المعتمدة في الامتحانات الإشهادية، ومدى تطابقها مع المستوى الحقيقي للمتعلمين”.
وتساءل السحيمي: “كيف يمكن لتعليم يصنف باستمرار في مراتب متأخرة دوليا ووطنيا، أن يفرز أكثر من ربع مليون ناجح في الباكالوريا سنويا بنسبة تفوق 70%؟”، مشددا على أن هناك “حلقة مفقودة” بين ما تسجله الوزارة من أرقام، وما تعكسه تقارير مؤسسات التقييم التربوي الدولية والوطنية”.
واستفسر الخبير التربوي عن “أرقام النجاح الحالية، هل يمكن أن تكون نتيجة توجه مقصود نحو إنجاح التلاميذ، بغض النظر عن امتلاكهم للكفايات الضرورية؟”، مضيفا أن “هذا الأمر قد يكون مدفوعا برغبة الوزارة في تقديم صورة إيجابية عن التعليم، أو تخفيف الضغط على المنظومة، دون معالجة الإشكالات البنيوية”.
وأكد المتحدث أن “الوضع يستوجب فتح نقاش وطني صريح حول منظومة التقويم والامتحانات، خاصة امتحان البكالوريا، الذي يُفترض أن يعكس 12 سنة من التكوين والتعلم”، معتبرا أن “استمرار تقديم نسب نجاح مرتفعة دون مراجعة شاملة، قد يفاقم من أزمة الثقة في التعليم العمومي، ويضعف من صدقية الشهادات الوطنية”.
وفي خضم هذه الأرقام المرتفعة، طرح السحيمي سؤالا محوريا حول مدى استعداد وزارة التعليم العالي والحكومة لاستيعاب هذا الكم الهائل من الناجحين، مشيرا إلى أن “أكثر من 250 ألف ناجح سيبحثون عن مقاعد في الجامعات أو المعاهد العليا، وهو ما يتطلب بنيات تحتية وخدمات لوجستيكية وبيداغوجية كافية”.
وشدد الأستاذ والفاعل التربوي على أن “السياسات العمومية يجب أن تنتقل من منطق الكم إلى منطق الكيف، وإلا فإن الآلاف من التلاميذ الناجحين سيكونون عرضة لهدر جديد، داخل أسوار الجامعة هذه المرة، إذا لم تُؤمن لهم شروط متابعة تعليم عالٍ ذي جودة”.