في حي المسيرة الشعبي بمدينة مراكش، بعيدا عن سواحل المغرب التي تمتد على مسافة 3500 كيلومتر، يقع محل صغير لبيع الأسماك يملكه شاب عشريني يُعرف باسم “عبدو الجابوني” أو “مول الحوت” أو “بائع السردين”؛ هذا الشاب، الذي اشتهر عبر حسابه على منصة “تيك توك”، أصبح حديث الشارع المغربي بسبب الأسعار المنخفضة التي يبيع بها السمك، خاصة السردين، والذي بات كثير من المغاربة يتناولونه مرة واحدة في الأسبوع بسبب ارتفاع أسعاره.
عبدو الجابوني، كما يُطلق على نفسه، يقول في فيديوهاته التي انتشرت بشكل واسع: “لا أريد أكثر من درهم واحد ربحا في كل كيلو من السردين أو الأنواع الأخرى التي أبيعها”.
هذه العبارة البسيطة أثارت جدلا واسعا حول كيفية وصول الأسماك من الموانئ إلى الأسواق، وما إذا كان هناك استغلال من قبل الوسطاء أو “الشناقة” (المضاربين) الذين يرفعون الأسعار بشكل كبير.
ووفقا لتحقيق أجرته صحيفة “سفيركم” الإلكترونية، فإن أسعار الأسماك في الموانئ المغربية أقل بكثير مما هي عليه في الأسواق.
فعلى سبيل المثال، في ميناء أكادير، تم بيع كيلوغرام السردين بأقل من 3.16 درهم في يوم 22 فبراير الجاري، بينما يباع نفس الكيلوغرام في الأسواق بأسعار أعلى بكثير، تصل أحيانا إلى 5 أضعاف هذا السعر.
الوثائق التي حصلت عليها “سفيركم” من إدارة ميناء أكادير تُظهر أن الوزن الإجمالي للسردين الذي تم اصطياده في ذلك اليوم بلغ 120,306 كيلوغرام، بقيمة مالية إجمالية قدرها 376,458.85 درهما، بمتوسط سعر 3.13 درهما للكيلوغرام. ومع ذلك، فإن الأسعار التي يشتري بها المواطنون السردين في الأسواق تصل إلى 25 دراهم أو أكثر للكيلوغرام الواحد.
هذه الفجوة الكبيرة بين أسعار الموانئ والأسواق أثارت تساؤلات حول دور الوسطاء والمضاربين في رفع الأسعار، ورغم أنه من الطبيعي أن ترتفع الأسعار في الأسواق مقارنة بالموانئ بسبب تكاليف النقل وهامش الربح، لكن الفارق الكبير بين السعرين يُعتبر، حسب المستهلكين المغاربة، غير مبرر، حيث يستفيد منه المضاربون على حساب جيوب المواطنين.
عبدو الجابوني، من خلال فيديوهاته، حاول تسليط الضوء على هذه القضية، مؤكدا أنه يبيع السمك بأسعار معقولة دون استغلال.
وقد لاقت مقاطعه انتشارا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث أشاد به الكثيرون لشفافيته ورفضه المشاركة في استغلال المواطنين، كما لم يفت الكثيرين تحذيره من مصير غامض قد يلاقيه من منافسيه.
ولم تعد قصة عبدو الجابوني مجرد قصة بائع سمك يبيع بأسعار منخفضة، بل أصبحت رمزا للصراع بين المواطنين والفئات التي تستغل حاجتهم اليومية، بل وأثارت قضيته نقاشا واسعا حول كيفية تنظيم سوق الأسماك في المغرب، ودور الدولة في مراقبة الأسعار وحماية المستهلكين من الاستغلال.
وفي وقت يعاني فيه المغاربة من ارتفاع الأسعار بسبب التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، يبدو أن شخصا مثل عبدو الجابوني قد نجح في لمس وتر حساس لدى الجمهور، مما جعله بطلا شعبيا في نظر الكثيرين.