في تطور أمني لافت، أعلنت أجهزة أمنية من 18 دولة إفريقية عن نجاحها في تنفيذ عملية واسعة النطاق حملت اسم “سيرينغيتي 2.0”، وصفت بأنها واحدة من أضخم العمليات القارية ضد الجريمة السيبرانية والأنشطة الاقتصادية غير المشروعة المرتبطة بها.
وأسفرت العملية عن اعتقال 1,209 مجرم سيبراني ينشطون في مجالات متنوعة مثل الاحتيال الإلكتروني، سرقة البيانات، وتبييض الأموال عبر العملات المشفرة.
وتمكنت السلطات من استرداد 97.4 مليون دولار كانت بحوزة الشبكات الإجرامية، في خطوة تعكس حجم الخسائر التي تتكبدها الاقتصادات الإفريقية جراء هذه الممارسات.
كما جرى تفكيك 11,432 بنية تحتية خبيثة، تشمل خوادم ومواقع إلكترونية وأدوات رقمية كانت تستعمل في شن الهجمات أو إدارة أنشطة غير قانونية.
وفي أنغولا وحدها، تم الكشف عن 25 مركزا غير قانوني لتعدين العملات المشفرة، حيث كانت العصابات تستغل الطاقة بشكل سري.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ نجحت الفرق الأمنية في مصادرة 45 محطة كهربائية غير شرعية ومعدات تُقدر قيمتها بما يفوق 37 مليون دولار، وهو ما يعكس التداخل بين الجريمة الرقمية والأنشطة الاقتصادية الموازية.
وبحسب المعطيات، فقد تجاوز عدد ضحايا هذه الشبكات 65 ألف شخص، ما يبرز البعد الإنساني الخطير لهذه الجرائم.
ولم تكن عملية “سيرينغيتي 2.0” حدثا معزولا، بل جاءت ثمرة تنسيق أمني غير مسبوق بين الأجهزة الإفريقية، في إطار شراكة تعكس وعي القارة بضرورة توحيد الجهود لمواجهة تهديدات عابرة للحدود.
فالمجرمون السيبرانيون لم يعودوا يقتصرون على فضاءات افتراضية، بل باتوا يربطون أنشطتهم بشبكات طاقة واتصالات واقتصاد غير مشروع، ما يتطلب أدوات تعاون حديثة وفعالة.
وتشكل هذه العملية نقطة تحول في طريقة تعامل إفريقيا مع التهديدات الرقمية، إذ لم تعد القارة مجرد ساحة للهجمات بل أضحت فاعلا يملك القدرة على الردع والتنسيق الاستراتيجي.
كما أن التركيز على تفكيك مراكز التعدين غير القانونية يسلط الضوء على التحديات الجديدة المرتبطة بالعملات المشفرة، والتي غالبا ما تستغل في تمويل أنشطة إجرامية أو إرهابية.
وبنجاح “سيرينغيتي 2.0”، تبعث الدول الإفريقية رسالة واضحة مفادها أن مكافحة الجريمة السيبرانية لم تعد خيارا بل ضرورة لحماية الاقتصادات الوطنية والمواطنين على حد سواء.
ويرجح أن تشكل هذه التجربة نموذجا لعمليات مستقبلية قد تتوسع لتشمل تعاونا مع شركاء دوليين، في ظل تعقد شبكات الجريمة العابرة للقارات.

