بقلم: عمر لبشيريت
في نونبر 1995، سيقرر الدكتور فتح الله ولعلو إنجاز بحث (تحول إلى كتابين في ما بعد) تحت عناوين: “المغرب العربي والمشروع الأروبي” و “بعد برشلونة ضرورة المشروع المغاربي” (باللغتين العربية والفرنسية).
الإعداد لإنجاز هذا البحث سيدفع فتح الله ولعلو إلى زيارة البلدان المغاربية الخمس لتجميع المادة حول ذلك الموضوع. وكان من حسن حظه أن ذلك صادفَاستعداد المغرب لاستضافة مؤتمر البرلمانيين العرب، فقرَّرَ رئيس البرلمان المغربي إرسال مبعوثين إلى مختلف البلدان العربية لدعوتهم للمشاركة رسميا في ذلك المؤتمر.
ويحكي فتح الله ولعلو، في مذكراته التي صدرت هذا الأسبوع عن المركز الثقافي للكتاب ببيروت في جزئين تحت عنوان “زمن مغربي.. مذكرات وقراءات”، وأعدها للنشر الصحافي والكاتب لحسن العسبي،” لم يتحمس أي رئيس فريق برلماني للسفر إلى البلدان المغاربية، فاقترحتُ نفسي للقيام بتلك المهمة لحاجتي العلمية إلى ذلك”.

هذه الجولة ستنتهي بالجزائر العاصمة وستقود فتح الله ولعلو ، لأول مرة، إلى مقابلة الرئيس الجزائري الأسبق عبدالعزير بوتفليقة( لم يكن آنذاك قد أصبح رئيسا)،
جاءت هذه الزيارة في وقت كانت الجزائر تعيش جحيم حرب أهليه، ويصف فتح الله ولعلو تلك الأوضاع قائلا:”قضيتُ هناك خمسة أيام، عشتُ فيها تفاصيل اغتيال شخصية عمومية كل يوم (رئيس اتحاد كرة القدم، أستاذ في السوسيولوجيا، صحفي… وهكذا).رغم ذلك زُرتُ عددا من الإدارات العمومية بالعاصمة الجزائر، ضمنها إدارة الجمارك قرب باب القصبة بحلق الواد، وتَهَيَّبَ سائقُ السيارة الذي يُرافقني من ذلك المكان لأنه نواة للمتطرفين”.
لقاء فتح الله ولعلو وعبدالعزيز بوتفليقة سيكون بمقر إقامة السفير المغربي الذي نظم حفل غداء على شرف السفير السعودي الذي أنهى مهامه الديبلوماسية بالجزائر، دعى إليه كل السفراء العرب، كما دعى أيضا عبد العزيز بوتفليقةللحضور.
وعن الجو العام لهذا الحفل يقول فتح الله ولعلو في مذكراته:”وجدتُ كل السفراء العرب جالسين محيطين بعبد العزيز بوتفليقة الذي يحمل سبحةً في يده، ويتكلم ويتكلم مدة طويلة بلا توقف. تحدث عن جمال عبد الناصر وياسر عرفات وبلدان الخليج وتطورات القضية الفلسطينية وهكذا والسفراء يُنصتون إليه يستعرض ذكرياته”.
بعد حفل الغداء، وفي لحظة من اللحظات اقترب بوتفليقة من فتح الله ولعلو وهمس له قائلا :”هؤلاء الناس يجب أن يذهبوا لحال سبيلهم”.
فما كان من سفير المغرب إلا أن “قام بحركة ديبلوماسية فُهم منها انتهاء الحفل، فشرع السفراء العرب يغادرون، حتى بقينا لوحدنا”، يقول فتح الله ولعلو.
ويتحدث فتح الله ولعلو عن بوتفليقة:”فوجئتُ أنه يعرف عني الكثير، مما يعني أنه متتبع جيد ودقيق لما يحدث في المغرب، كان بوتفليقة قد عاد إلى بلده حديثا حينها بعد سنوات طويلة قضاها بدول الخليج العربي (خاصة الإمارات)، وانتبهت أنه كان في جلوسه بسكنى السفير المغربي جد مرتاح، مُنشرحا”.
كان الحديث في البداية حول الأوضاع بالجزائر ورؤية بوتفليقة للخروج من دوامة الحرب الأهلية، وفي معرض حديثه عن ضرورة جلوس كافة الأطراف على طاولة الحوار “خصوصا طرفي النقيض علي بلحاج الإسلامي المتشدد وسعيد السعدي الذي يُتَّهمُ على أنه ملحد”، أعطى بوتفليقة مثالا بالمغرب حيث قال لفتح الله ولعلو: “في مجتمعاتنا المغاربية ليس هناك ملحدون أبدا، وأن من يقول بذلك لا يفقه شيئا فينا. وأنه مثلا، حين كان هو في وجدة بالمغرب (التي وُلد وكبُر بها)، كان يأتي عندهم الدكتور عبد الهادي مسواك، قبل أن يُصبح قائدا من الحزب الشيوعي المغربي ويلتقي بوالده ولا يُخفي مسافته من الإهتمامات الدينية، لكن الجميع كان يناقشه بهدوء في مواقفه. مُضيفا بالحرف:
– وأصبح مسواك في ما بعد طبيب سيدنا (هكذا يصفُ بوتفليقة الملك الحسن الثاني)، وجُرح في محاولة الإنقلاب بالصخيرات، ثم سافر في ما بعد إلى الحج، ومات سنوات بعد ذلك مسلما”.
وصف عبدالعزيز بوتفليقة للحسن الثاني ب “سيدنا”، لم تكن فلتة لسان، بل أعاد تكرارها أكثر من مرة خلال حديثه مع فتح الله ولعلو.
أكثر من ذلك، طالب الاتحاديين( كانوا في المعارضة آنذاك) التفاهم مع الحسن الثاني ووضع يدهم في يد الملك وعرض وساطته في هذا الشأن.
ويحكي فتح الله ولعلو هذه الوقائع بتفصيل في مذكراته، حيث يقول إن بوتفليقة خاطبه باندفاع حول رفض الاتحاد الاشتراكي قبول اقتراح الحسن الثاني بتشكيل حكومة التناوب الأولى:”عليكم أنتم الإتحاديين أن تجلسوا مع الملك لحل مشاكلكم ووضع اليد في يده. إنني أعرف المغرب جيدا، وفي كل مناسبة دينية يُرسل الحسن الثاني إلي هدية. ثانيا، أنا أفهم العقلية المغربية جيدا، كنت أعرف أوفقير كثيرا وكذلك الدليمي، لا أفهم كيف ألححتم على عدم الدخول إلى الحكومة بسبب إدريس البصري سنة 1993. البصري لا أعرفه، لكن بالنسبة لي فهو لا يُشبهُ أوفقير والدليمي، فهو مختلفعنهم. إنه يُنفذُ فقط السياسة التي يقول له سيدنا (هكذا قال مرة أخرى). لذلك من مصلحتكم التعامل معه”.
وبعد أن شرح فتح الله ولعلو لبوتفليقة أن رفض المشاركة في الحكومة لم يكن بسيب “رفض إدريس البصري، بل السبب هو غياب وغضب سي عبد الرحمان اليوسفي الذي ذهب إلى فرنسا”. كان رد بوتفليقة مفاجئا مرة أخرى إذا اقترح على فتح الله ولعلو وساطته قائلا:
“- إذا كان هذا هو المشكل فقط، فأنا مُستعدٌ أن أذهب عند سي عبد الرحمان لإقناعه. ومُستعدٌ أن أذهب عند الفقيه البصري أيضا لإقناعه، لكي تقبلوا الدخول والتعاون مع سيدنا، لإنقاد المغرب”.
بعد نهاية اللقاء بين الرجلين ، الذي دام سبع ساعات، هرع فتح الله ولعلو لكي يدون مادار بينه وبين بوتفليقة بالتفصيل والتدقيق ختى لاينساه، كما جاء في مذكراته، كما أشار إلى أن رجال أمن مغاربة تابعين للسفارة، رافقوا بوتفليقة، بسبب بداية فترة حظر التجوال، حتى العمارة التي يقطنها غير البعيدة كثيرا عن سفارة المغرب.
في مذكرات فتح الله ولعلو، كان هذا الحوار القوي الذي يلخص الكثير من الأشياء حول طريقة تفكير الجزائر المتأرجح:
“- سي عبد العزيز ما هو الخطر الذي يتهدد الجزائر؟.
– هل الخطر فعلا هم الإسلاميون؟.
فأجابني بوتفليقة بعد تأمل قائلا:
– لا، لا، ليس الخطر هم الإسلاميون، فالحوار معهم ممكن. بل إن الخطر الأكبر هو تقسيم الجزائر.
سألته:
– هل تقصد خطر القبايل الأمازيغية؟.
فأجاب:
– لا. خطر التقسيم في الصحراء بالجنوب.
أجبته:
– لم إذن خلقتم لنا نحن مشكلا في الصحراء وأنتم مُدركون لمخاطر الأمر حتى عليكم؟
مثلما ذَكَّرتُهُ بما حدث بينه وبين عبد الرحيم بوعبيد في مؤتمر كولومبو لدول عدم الإنحياز. فأجابني قائلا:
– أنتم تذكرون في المغرب أنني جئت عندكم وأصدرنا بلاغا أنا ووزير خارجيتكم أحمد العراقي (كان البلاغ في صالح المغرب). لكن بعد عودتي قمتُ بما يفرضه علي واجب سياسة بلدي.
سألتُهُ:
– طيب والآن ما الحل؟.
فأجاب بالحرف:
– خاصنا خيط بيض لحل هذا المشكل”…
ملحوظة: هذه المذكرات التي تنفرد “سيفركم” بنشر أوراقها الحصرية، ستأتي في حلقات متتابعة