في حوار مع “سفيركم”.. واموسي يستعرض مفاجآت الانتخابات الفرنسية ومآلاتها

قال محمد واموسي؛ رئيس المركز الأوروبي للسلام وحل النزاعات ببروكسيل إن “نتائج الدور الثاني من الانتخابات التشريعية الفرنسية خلقت المفاجأة لدرجة انقلبت على استطلاعات الرأي، إذ أن تصدر تحالف اليسار للانتخابات الفرنسية جاء على عكس كل التوقعات، لكن تشكيل الائتلاف الحكومي هو التحدي الأكبر الذي يواجه أحزاب اليسار ذاتها”.

وفي حوار، خص به موقع “سفيركم”، يضيف واموسي الخبير في الشؤون الفرنسية الأوروبية، “إن توقع نتائج الانتخابات في فرنسا أعقد مما يتصور، على اعتبار أن المزاج الشعبي له دور كبير في تغيير وجهة التصويت في ظرف أقل من أسبوع، وهذا أحد الأسباب الذي يفسر نتائج الدور الثاني من الانتخابات التشريعية الفرنسية”.

س: تظهر النتائج غير متوقعة، أفرزتها تشريعيات فرنسا، تحالف اليسار خلق المفاجأة، لكن لم يتمكن من الحصول على الأغلبية المطلقة، اليوم شهدت فرنسا دخولا برلمانيا جديدا، كيف بدى المشهد السياسي؟ وما أبرز التحركات التي قادتها القوى السياسية على ضوء النتائج المحصلة؟

بالطبع، تحالف اليسار فاجأ الجميع هنا في فرنسا، وانقلب حتى على استطلاعات الرأي، وتصدر النتائج عكس كل التوقعات، لكن اليوم لم يتمكن حتى هذه اللحظة من تحقيق الأغلبية المطلقة بسبب كثرة الأحزاب السياسية، كثرة التيارات داخل هذا اليسار الذي شكل بالمناسبة أيام قليلة قبل موعد الانتخابات الفرنسية، اليوم البرلمان الفرنسي في حالة من الترقب والتحركات المكثفة بين القوى السياسية المختلفة، وبالطبع، هذا البرلمان شهد دخولا بتشكيلة مختلفة وجلس النواب الجدد مع القدامى للتكيف مع الوضع السياسي الجديد، الآن، بعد تصدر للانتخابات، تحالف جبهة اليسار، وجد نفسه عمليا في موقف قوي، لكن ليس كافيا لفرض أجنداته بشكل كامل، الرئيس ماكرون سيكون عليه أولا البدء بمحادثات هذا التحالف بهدف تشكيل تحالفات، تشكيل كتل برلمانية، بمعنى أغلبية تشريعية تمكن من تشكيل حكومة لكن هناك الكثير من المطبات، أولى هذه المطبات، العلاقة المثيرة للجدل بين الرئيس ماكرون ورئيس حزب فرنسا الأبية جون لوك ميلنشون، ونعلم أن الاثنين تبادلا حرب التصريحات قبل النتائج وبعد النتائج، وكما نعلم جون لوك ميلنشون هو عماد هذا اليسار، وأن عدم دخوله مع الرئيس ماكرون في أي تحالف، سيفضي إلى حكومة هشة.

باختصار المشهد الفرنسي دخل مرحلة من الترقب والضبابية وعدم اليقين بعد النتائج التشريعية في الدور الثاني.

س: الرئيس ماكرون أبقى على حكومة رئيس الوزراء غابريل أتال، وطلبه منه تسيير الأمور حاليا، تحالف اليسار أبدى استعداده للحكم لكن حزب الرئيس ماكرون كان أبدى سابقا رفضه العمل مع حزب فرنسا الأبية أحد أحزاب الجبهة الشعبية، أمام تعقيد المشهد وتباعد الأجندات الحزبية وتباينها، ما السيناريوهات المحتملة في نظركم من خلال تحليل المعطيات المتوفرة لحدود الساعة؟

نعم، ويمكن أن أٌقول إن بداية المشاكل من خلال الإبقاء على رئيس الوزراء غابريل أتال إلى حين نضوج تشكل الحكومة، هذا التباين في المواقف بين استعداد تحالف اليسار للتعاون مع معسكر الرئيس ورفض حزب فرنسا الأبية التعاون مع الرئيس هي بداية المشاكل التي تواجه الرئيس ماكرون، أحد السيناريوهات الممكنة اليوم هو تشكيل حكومة ائتلافية تضم اليسار وحزب ماكرون، في هذه الحالة، يتعين على الأطراف، تقديم تنازلات بغية التوافق على برنامج حكومي مشترك، بحيث يتولى أعضاء من كلا الجانبين، مناصب حكومية رئيسية، مع التركيز على القضايا المشتركة التي تهم الناخب الفرنسي، في حال عدم تمكن الرئيس ماكرون من تشكيل ائتلاف حكومي قوي، قد يضطر ربما إلى قيادة حكومة أقلية، هذا السيناريو سيحتاج إلى بناء تحالفات مؤقتة من تيارات متنوعة لتمرير التشريعات والقوانين.

س: إذن، ثلاث كتل سياسية غير متجانسة، يصعب الجمع بينها في إطار تحالف وضعية غير مسبوقة تدخل البلاد في حالة من اللايقين السياسي، مما يثير العديد من التساؤلات حول مستقبل الحكم والاستقرار في فرنسا، في حال عدم التمكن من بناء أي تحالف يقود الحكومة المقبلة، ما الخيارات المطروحة أمام الرئيس ماكرون للخروج من هذا المأزق السياسي والدستوري كذلك؟

بالطبع، وللأسف الشديد، أن الخيارات ستضيق أكثر وأكثر، لأنه إذا فشلت جميع المساعي في تشكيل حكومة مستقرة، سيجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمامه مأزقا سياسيا ودبلوماسيا، يمكن في هذه الحالة، أن يحل البرلمان مرة أخرى ويدعو إلى انتخابات تشريعية مبكرة لكن الدستور يعطيه مهلة عام، إذ لا يمكن أن يدعو لانتخابات مبكرة قبل سنة، وهنا يمكن أن يحتفظ بحكومة تصريف الأعمال، هذا الخيار يمثل مخاطرة كبيرة إذ يمكن تؤدي الانتخابات إلى نفس النتائج، سيكون السيناريو الأكبر والأخطر وهو أن الرئيس سيكون عليه تقديم استقالته، ونعلم أن ولايته الرئاسية مستمرة حتى عام 2027، وهو يريد أن تمر هذه الألعاب الأولمبية التي تحتضنها باريس بكل هدوء وبنفس الوقت يريد أن يمهد الطريق لمعسكره للانتخابات الرئاسية، أم المعارك إذا شئنا القول في عام 2027، وهي نفس المحطة التي يضع اليمين المتطرف عينه للوصول إليها، أعتقد أن الرئيس ماكرون مطالب بمحاولة إيجاد توافق سياسي يمكنه ربما من تشكيل حكومة ائتلاف أو على الأقل تشكيل حكومة تكنوقراط مؤقتة، إلى حين الوصول إلى حكومة سياسية تجمع جميع تحالفات الأغلبية.

س: الانقلاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في أقل من أسبوع، ما هي الدروس والرسائل التي خرجت بها النخب السياسية الفرنسية من هذا الامتحان الذي اكتنفته العديد من المفاجأة؟

بالطبع، هو امتحان كبير لأن استطلاعات الرأي حتى الدقائق الأخيرة من عملية التصويت كانت تتكهن بأن تتصدر الجبهة الوطنية أو اليمين المتطرف نتائج الانتخابات.

إذ أن البعض كان ينتظر أن يفوز بأغلبية مطلقة، ما جرى خلال السبعة الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية، انقلبت الأمور رأسا على عقب، أعتقد أن من بين أسباب التي أسهمت في هذه النتائج هو استهداف اليمين المتطرف لمن يسميهم الإعلام الفرنسي بمزدوجي الجنسية، اليمين المتطرف قال إذا وصل إلى السلطة، من بين أهدافه، حرمان هذه الفئة من الفرنسيين من تولي أو الوصول إلى مناصب عليا في الدولة الفرنسية، ولربما هذا جعل هذه الفئة وهي بالمناسبة فئة واسعة من المجتمع الفرنسي تعبر عن قلقها وتغير الاتجاه.

هناك أيضا تقلبات المزاج الشعبي، هذا هو الدرس الأول ربما، هذا التقلب أظهر أن الناخبين يمكنوا أن يغيروا ولاءتهم بشكل جذري خلال فترة قصيرة مما يبرز أهمية البقاء متيقظين من تغيرات الرأي العام، للاستجابة السريعة.

أيضا هذه الانتخابات أثبت كذلك القدرة الفعالة للجمهور على أدائه في إمكانية تغيير موازين القوى بين النتائج الانتخابية بحيث أن الأحزاب إذا تمكنت من التواصل بفعالية مع الناخبين، وتمكنت من جذب اهتماماتهم فهي ستنجح إلى حد كبير في تحقيق الأهداف المسطرة.

حاوره: ياسين حكان (كاتب وباحث)

مقالات ذات صلة

نواب أوروبيون يُعربون عن رفضهم لقرار محكمة العدل الأوروبية ويدعمون الشراكة مع المغرب

طلبة

الاتحاد الوطني لطلبة المغرب يحشد لدعم “قضية جودة التعليم الطبي”

منتدى جامعة كامبريدج يستغرب تأخر بريطانيا في تبني مخطط الحكم الذاتي

هنغاريا تعقيبا على قرار محكمة العدل الأوروبية: الشراكة مع المغرب في مصلحتنا جميعا

باريس تؤكد تشبثها بالشراكة “الاستثنائية” مع المغرب عقب قرار محكمة العدل الأوروبية

إلغاء اتفاقيتي الفلاحة والصيد مع المغرب.. هذا ما صرحت به مدريد وبروكسل

إلغاء اتفاقيات المغرب والاتحاد الأوروبي..تأثير محدود واستعداد مسبق

إلغاء اتفاقيات المغرب والاتحاد الأوروبي..تأثير محدود واستعداد مسبق

اتفاقيتا الفلاحة والصيد البحري.. المغرب يخرج برد رسمي على قرار محكمة العدل الأوروبية

بعد إشادة واشنطن.. خبير يُوضح الدور المغربي الإيجابي في تعزيز السلام بالشرق الأوسط

تعليقات( 0 )