قرية “تسقي” نموذجا.. هكذا يقضي المغاربة مناسبة المولد النبوي

في قرية “تسقي” ايت اعتاب، التي تحجبها جبال الأطلس الشامخة، تتميز ذكرى المولد النبوي الشريف، بتفاصيل خاصة إذ تجمع هذه المناسبة أهل المنطقة على الفرح وصلة الرحم والذكر وحسن العبادة، مجددة ارتباطهم الوثيق بالرسول عليه السلام.

وعلى الرغم من أن مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة الدينية، قد تختلف من منطقة إلى أخرى، حسب الخصوصية الثقافية لكل جهة، إلا أنها تشترك بشكل عام في مجموعة من الممارسات، إذ تقام في جل مساجد المملكة المغربية دروس في السيرة النبوية، كما تحرص أغلب الأسر على تشجيع أفرادها على قراءة ما تيسر من آيات الذكر الحكيم، ومنها من تفضل خلال هذه الفترة الاستمتاع بالأمداح النبوية التي تتغنى بخصال سيد الأنام.

وما يميز ذكرى المولد النبوي الشريف في أغلب المناطق المغربية، أن النساء تحرصن على الاستيقاظ مبكرا لتجهيز مائدة الإفطار بما لذ وطاب من الحلويات والمأكولات المرتبطة أساسا بهذه المناسبة، فعلى سبيل المثال، قرية آيت اعتاب، التي تبعد ببضع كيلومترات عن مدينة أزيلال، المعروفة بجودتها العالية في إنتاج زيت الزيتون، لا تستقيم فيها مائدة الإفطار دون عنصرين أساسيين أولهما “الخبز المرطب” أو “الشيار”، الذي يعتبر عادة تطبع بها الساكنة، والتي تنم عن فرح أهل البيت بأي مناسبة أو ضيف، والثاني هو الشاي المنسم بالنعناع الطبيعي، الذي ينمو في حقول “بحيرة” أهل المنطقة دون الحاجة إلى أي مبيدات كيماوية وحشرية.

ومن العادات الجميلة التي ما يزال يتطبع بها أهل قرية تسقي في آيت اعتاب، أن أول ما يقوم به الأطفال الصغار، بعد الاستيقاظ من النوم، هو الذهاب لتقبيل أيدي وجبين كبار السن في الأسرة، سواء كانوا الأم والأب أو الجد والجدة، لنيل رضاهم في هذا اليوم المميز، وفي المقابل يجودون عليهم بدعاء يمكن أن ينور عتمة طريقهم، ومنهم من يفضل تقديم الحلويات أو النقود لتشجيع الصغار على التشبث بفكرة أن “الكبار هم بركة وثروة أي منزل”.

ومن المعلوم أن أغلب المغاربة يحبون التأنق في هذه المناسبة العظيمة، إلا أن أهل آيت اعتاب يجمعون على ارتداء كل ما هو تقليدي خلال هذا اليوم، فمن الرجال من يختار ارتداء الجلباب الأطلسي والعمامة، أو الجبادور والكندورة والسلهام، ومن النسوة من تفضلن الظهور في العيد بجلابة أو قفطان بتصميم بسيط يعكس بساطة وأناقة نساء المنطقة المعروفات بجمالهن الأخاذ.

وبعد الإفطار، تتوجه نساء تسقي رفقة بناتهن إلى بيت سيدة اتفقن مسبقا على الاجتماع فيه يوم العيد، إذ تقوم كل واحدة منهن في الصباح الباكر بتحضير طبق معين يختلف عن طبق الأخرى، فمنهن من تحضر “المسمن” و”الحرشة”، ومنهن من تعد “البغرير” أو “الخبز المرطب”، ومنهن من تقدم “الأرز”، و”بركوكش” وغيرها، فيأخذنه ويجتمعن ويأكلن ويتفقدن أحوال بعضهن البعض، ويتبادلن أطراف الحديث الذي غالبا ما يكون ممتعا وممزوجا بحس فكاهي لطيف.

أما الرجال فيصطحبون أبنائهم الصغار، إلى بيت شيخ القبيلة أو أحد الرجال الأكثر احتراما في القرية، حيث يجتمعون من أجل إحياء صلة الرحم فيما بينهم، وتكون هذه المناسبة فرصة كبيرة للقاء أبناء المنطقة ممن فرقتهم الظروف وعادوا إلى تسقي لقضاء هذه الذكرى رفقة الأهل والأحباب.

تعليقات( 0 )