فاجأ رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، بلاده والعالم بإعلانه فرض الأحكام العرفية، وذلك في خطاب ألقاه مساء الثلاثاء الماضي، وتم بثه مباشرة عبر قناة YTN التلفزيونية.
وأوضح يون أنه اتخذ هذه الخطوة من أجل حماية النظام الحر والدستوري في البلاد، مشيرا إلى أن الأحزاب المعارضة “استغلت العملية البرلمانية” لإدخال البلاد في أزمة.
وقال يون في الخطاب: “أعلن فرض الأحكام العرفية لحماية جمهورية كوريا الحرة من تهديد القوات الشيوعية في كوريا الشمالية، وللقضاء على القوى المناهضة للدولة، المؤيدة لكوريا الشمالية التي تهدد حرية وسعادة شعبنا، ولحماية النظام الدستوري الحر”.
ولم يوضح يون في خطابه الإجراءات المحددة التي سيتم اتخاذها، لكنه أشار إلى أن المعارضة، الممثلة في الحزب الديمقراطي الذي يملك الأغلبية في البرلمان، قدمت هذا الأسبوع اقتراحا لعزل بعض كبار المدعين العامين في البلاد، بالإضافة إلى رفضها اقتراح الميزانية الذي تقدمت به الحكومة.
وفي إعلانه، استند يون إلى الجمود في تمرير الميزانية، وعزل المسؤولين الحكوميين، و”التعدي على النظام الدستوري” كمبررات لهذه الخطوة. وأكد أن “الجمعية الوطنية التي تقودها المعارضة أصبحت وكرا للمجرمين وتحاول شل الإدارة القضائية للدولة”.
وعقب هذا القرار، تولى الجنرال بارك آن سو قيادة الجيش وأصدر إعلانا بفرض قيود فورية وشاملة على الأحزاب السياسية، والمظاهرات العامة، وتنظيم العمال، وهي ركائز أساسية للنشاط الديمقراطي في كوريا. كما نص المرسوم على وضع جميع وسائل الإعلام تحت سيطرة الجيش.
وخلال الساعات التي تلت فرضت فيها الأحكام العرفية، أحاطت القوات المسلحة بشكل مكثف بالبرلمان، مدعومة بمروحيات عسكرية ومركبات مدرعة. في وقت استطاع بعض النواب تسلق الجدران للدخول إلى المبنى وتمكنوا من صد القوات باستخدام طفايات الحريق.
وسارع القادة السياسيون من جميع الأطراف إلى إدانة هذا التحرك، وفي جلسة طارئة عقدت في وقت متأخر من الليل، وسط وجود عسكري يحيط بالمبنى وحشود من المتظاهرين خارجه، صوت جميع الأعضاء الـ190 الحاضرين في الجمعية الوطنية المكونة من 300 مقعد لرفض قرار الرئيس الكوري.
وتطلب هذا الرفض من الرئيس إنهاء الأحكام العرفية، لكنه لم يحدد إطارا زمنيا لذلك. وأعلن رئيس الجمعية الوطنية، وو وون-سيك، أن القرار “باطل”، مضيفا: “على الشعب أن يطمئن. الجمعية الوطنية ستدافع عن الديمقراطية إلى جانب الشعب”.
وأثار هذا القرار ذكريات عن الديكتاتوريات السابقة في البلاد، مما دفع الآلاف إلى النزول إلى الشوارع للاحتجاج.
ويمنح دستور كوريا الجنوبية الرئيس سلطة استخدام الجيش للحفاظ على النظام في “أوقات الحرب، أو في أوضاع شبيهة بالحرب، أو في حالات طوارئ وطنية أخرى قابلة للمقارنة”. ويمكن أن يشمل ذلك تعليق الحقوق المدنية، مثل حرية الصحافة والتجمع، بالإضافة إلى تقييد مؤقت لصلاحيات المحاكم والهيئات الحكومية. ومع ذلك، يمنح الدستور الجمعية الوطنية سلطة إلغاء إعلان الأحكام العرفية من خلال تصويت بالأغلبية.
وحسب تقارير دولية، يشير بعض الخبراء إلى أن الطريقة التي فرض بها يون الأحكام العرفية تجاوزت صلاحياته المشروعة. فرغم أن الدستور يمنح الرؤساء نطاقا واسعا من الصلاحيات، فإنه لا يسمح لهم باستخدام الجيش لتعليق عمل البرلمان. كما يشكك الكثيرون فيما إذا كانت البلاد، التي تتمتع بالازدهار والسلام النسبي، تواجه فعلا وضعا يمكن مقارنته بالحرب.
وندد الحزب الديمقراطي بإجراءات يون واعتبرها غير ديمقراطية، حيث وصف زعيم المعارضة لي جاي ميونغ، الذي خسر بفارق ضئيل أمام يون في الانتخابات الرئاسية لعام 2022، إعلان يون بأنه “غير قانوني وغير دستوري”. كما عارض زعيم حزب القوة الشعبية المحافظ التابع ليون، هان دونغ هون، هذه الخطوة، واصفا القرار بأنه خاطئ، وتعهد بـ “إيقافه مع الشعب”.
وفتحت الشرطة الكورية الجنوبية تحقيقا بتهمة “التمرد” ضد الرئيس يون سوك يول، بعد محاولته الفاشلة فرض الأحكام العرفية. ومن المقرر أن يتم التصويت على قرار عزله يوم السبت.
وقال رئيس التحقيقات الوطنية في الشرطة للنواب: “القضية قيد التحقيق”. وأعلن مكتب الرئيس أن يون لن يدلي بأي تصريح علني اليوم الخميس.
وكان آخر ظهور علني ليون في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، عندما اضطر إلى التخلي عن محاولته لفرض الأحكام العرفية تحت ضغط النواب والمحتجين.
ومن المقرر أن يصوت البرلمان الكوري الجنوبي على قرار العزل يوم السبت الساعة 11:00 صباحا. وتحتاج المعارضة إلى تصويت ثمانية نواب من الحزب الحاكم لصالح القرار لكي يتم ازاحته عن منصبه.
وقال هان دونغ هون، زعيم حزب الرئيس، في اجتماع بث مباشرة: “سنسعى جاهدين لمنع تبني قرار العزل”. وأضاف زميله في الحزب، تشو كيونغ هو: “سيظل النواب الـ108 لحزب قوة الشعب متحدين في رفض عزل الرئيس”.
وفي الوقت نفسه، يواجه كيم يونغ هيون، الذي استقال يوم الأربعاء من منصب وزير الدفاع، حظر سفر لدوره في إعلان الأحكام العرفية، وفقا لما أوردته وكالة يونهاب للأنباء نقلا عن مصادر قضائية.
في غضون ذلك، أصيب معظم الكوريين الجنوبيين بالصدمة، حيث غمرت وسائل التواصل الاجتماعي رسائل تعبر عن الدهشة والقلق من الأحداث، بينما تجمع الآلاف في الشوارع للاحتجاج.
وتدعي بعض الأوساط، حسب الصحف الكورية، أن إعلان الطوارئ كان مرتبطا بالصراعات السياسية التي يواجهها يون. فقد واجه صعوبة كبيرة في تمرير سياساته عبر البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة منذ توليه منصبه في 2022. ويرى المحافظون أن المعارضة تمارس انتقاما سياسيا بسبب التحقيقات التي طالت زعيمها لي، الذي يعتبر المرشح “الأوفر حظا” في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2027.
وتعتبر الأحكام العرفية شكلا مؤقتا من الحكم من قبل السلطات العسكرية خلال حالات الطوارئ. وينص دستور كوريا الجنوبية على أن الرئيس يمكنه إعلان الأحكام العرفية عند الضرورة لمواجهة خطر أي تهديد عسكري أو للحفاظ على السلامة العامة والنظام من خلال نشر القوات العسكرية.
وبناء على المرسوم، تم وضع جميع وسائل الإعلام تحت سيطرة الأحكام العرفية، وأمر جميع العاملين في المجال الطبي، بمن فيهم الأطباء المضربون، بالعودة إلى العمل خلال 48 ساعة. وكان الآلاف من الأطباء مضربين في كوريا الجنوبية منذ أوائل فبراير الماضي، مما أجبر المستشفيات على إلغاء حصص العلاج والعمليات الجراحية. وتقول الحكومة إن الإصلاحات ضرورية لتخفيف نقص الموظفين وإدارة انتقال البلاد إلى مجتمع متقدم في السن.
ويأتي إعلان الأحكام العرفية بعد أشهر من تراجع الدعم الشعبي للرئيس، حيث أظهر استطلاع الأسبوع الماضي أن نسبة تأييد يون تراجعت إلى 25% فقط.
ويذكر أن الديمقراطية في كوريا الجنوبية لم تتحقق إلا في أواخر الثمانينات، ولا يزال التدخل العسكري في شؤون المدنيين محفورا في الذاكرة. فخلال الأنظمة الديكتاتورية التي نشأت بعد حرب كوريا 1950-1953، كان القادة يعلنون أحيانا الأحكام العرفية، مما أتاح لهم نشر الجنود والدبابات والمركبات المدرعة في الشوارع والأماكن العامة لوقف المظاهرات المعارضة للحكومة. ورغم أن هذه المشاهد ما زالت قريبة في الذاكرة، فإنها تبدو غير قابلة للتصور بالنسبة للعديد من الشباب الكوريين الجنوبيين اليوم.
فعلى سبيل المثال،بارك تشونغ هي، الذي حكم كوريا الجنوبية لمدة تقارب العشرين عاما قبل أن يغتال على يد رئيس استخباراته في 1979، قاد آلاف الجنود إلى سيول في الساعات الأولى من 16 ماي 1961 في أول انقلاب عسكري في البلاد. وأعلن الأحكام العرفية عدة مرات لوقف الاحتجاجات وسجن المعارضين. بعد أقل من شهرين من وفاة بارك، قاد الجنرال ماجين تشون دو-هوان الدبابات والجنود إلى سيول في دجنبر 1979 في الانقلاب الثاني. وفي العام التالي، شن حملة قمع عسكرية قاسية ضد ثورة ديمقراطية في مدينة غوانغجو الجنوبية، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 200 شخص.
وفي صيف 1987، أجبرت الاحتجاجات الكبيرة الحكومة على قبول الانتخابات الرئاسية المباشرة. وفي وقت لاحق من نفس العام، فاز تشون رو تاي-وو، الذي كان من رفقاء الجيش وشارك في انقلاب تشون في 1979، في الانتخابات بفضل انقسامات أصوات المرشحين الليبراليين المعارضين.