لا للغموض..تفاصيل أزمة طلبة الطب في المغرب وسوء الفهم الكبير

يعيش المغرب على وقع غليان طلابي بسبب ما يُعرف بـ”أزمة طلبة الطب” نتيجة القرار المفاجئ الذي أثار الاستياء بعدما وجد طلبة السنة السادسة في الطب أنفسهم دون سابق إعلام، أمام قرار  يقضي بإلغاء السنة السابعة من مسارهم الدراسي، تلك السنة التي كانت تعتبر تتويجا لسنوات طويلة من الدراسة والتدريب في المستشفيات الجامعية والإقليمية العمومية بالمغرب.

القرار جاء ليقلص مسارهم الأكاديمي إلى ستة سنوات فقط، ويفرض عليهم-كما يروج لهم في الكواليس-، خوض سنتين من التدريب في مناطق نائية تفتقر إلى أدنى مقومات الممارسة الطبية.

وأمام هذا الغموض، اضطر الطلبة لرفع صوتهم والدخول في العديد من الاحتجاجات، عبر شعار واحد وواضح: “لا للغموض”. لقد أضحى هذا الشعار عنوانا لرفضهم لـ”التعديل الجديد” في مسارهم الدراسي، لما يشكله، حسب تصريحات عديدة لـ”سفيركم” ، من تهديد لمستقبلهم الأكاديمي والمهني.

مستقبل مجهول وشهادة مشكوك في قيمتها

لم يكن استياء الطلبة من تقليص عدد سنوات الدراسة مجرد رد فعل عابر، بل جاء نتيجة تساؤلات مؤرقة وملحة حول مصيرهم، لم تجد آذانا صاغية في البداية، حيث أن القرار جاء قبل بضعة أشهر من نهاية عامهم السادس، عندما طلب منهم العمداء التحضير للامتحانات دونما شرح أو تفسير، هو ما آثار استغرابهم، واستغراب حتى الأساتذة الذين لم يكن لديهم أي علم مسبق بهذا القرار المفاجئ. وفي ظل هذا القرار، يطرح الطلبة العديد من الأسئلة التي لم يجب عنها العمداء، ورفضت والوزارة الوصية استقبالهم، كما جاء في تصريحاتهم، “سلكنا جميع سبل الحوار دون نتيجة”، متسائلين: كيف يعقل حذف السنة السابعة من مسارنا الدراسي فجأة وقبل أشهر يخبروننا أننا سنتخرج؟ نحتاج إلى إجابات واضحة.

ومن الأسئلة التي طرحها الطلبة خلال حديثهم لـ”سفيركم”، تتعلق أبرزها بما هو مصير الشهادة بعد إتمام السنة السادسة؟ ويتمحور التساؤل حول ما إذا كانوا سيحصلون على “دكتوراه الدولة في الطب” كما كان الحال سابقا، أم أن ما ينتظرهم هو مجرد “دبلوم دراسات طبية” شبيه بما تقدمه بعض الجامعات الخاصة، وهذا التغيير سيمس بشكل مباشر مكانة شهادتهم وقيمتها على المستوى الوطني والدولي.

أيضا يقول الطلبة إنه مع إلغاء السنة السابعة التي كانت تمنحهم فرصة التدريب المكثف داخل المستشفيات الجامعية على يد الأساتذة، يجدون أنفسهم أمام خيار صعب، إما اجتياز امتحان التخصص لاستكمال تكوينهم، أو القبول بالتدريب لمدة سنتين في المستشفيات العمومية الإقليمية أو المستوصفات بمناطق نائية، وهي غالبا ما تكون غير مجهزة، وبراتب زهيد، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان هذا التكوين كافيا ليؤهلهم للعمل كأطباء تسند لهم خدمة صحة المواطن.

كما أن من بين أبرز المخاوف التي عبر عنها طلبة الطب بعد قرار تقليص مدة الدراسة، مسألة الاعتراف الدولي بشهاداتهم. إذ يخشى الطلاب من أن يؤثر هذا التعديل على معادلة شهاداتهم بشهادات الجامعات الأوروبية والدولية، مما قد يعرقل طموحاتهم في مواصلة دراساتهم العليا أو العمل في الخارج.

في نظر الطلبة، تقليص الدراسة إلى ستة سنوات يضعهم في مرتبة أدنى مقارنة بزملائهم الدوليين الذين يخضعون لبرامج أكاديمية أطول وأشمل، ويجعلهم على قدم المساواة مع خريجي الجامعات والمعاهد الخاصة في المغرب، الذين يدرسون بدورهم ست سنوات فقط ويحصلون على “دبلوم الدراسات الطبية”. علما أن خريجي الجامعات الخاصة لا يسمح لهم بالتدريب في المستشفيات الجامعية، حيث كان هذا الحق محصورا فقط على طلبة السنة السابعة في الكليات العمومية. لكن مع إلغاء هذه السنة، تتزايد التساؤلات حول ما إذا كان الطالب الذي اجتاز امتحانا وطنيا صارما سيتساوى في النهاية مع زميله الذي استطاع الالتحاق بالجامعة الخاصة لقدرته المالية فقط، ليصبح طبيبا مؤهلا لمزاولة المهنة. هذا التفاوت المحتمل يثير شكوكا حول مستقبل التعليم الطبي الخاص في المغرب، ومن يقف وراءه، ويطرح علامات استفهام حول معايير المساواة والعدالة في تكوين الأطباء، وبما أن الوزارة تبين لها عدم جدوى السنة السابعة لماذا ضيعت على خزينة الدولة مصاريف كل هذه السنوات التي مرت في تكوين الأطباء لسبع سنوات.

الأساتذة: قرار بلا استشارة وتنزيل بلا إشراك  

في مواجهة هذا الجدل، لم يبق الأساتذة صامتين، بل عبروا عن امتعاضهم من هذا القرار الذي اعتبروه “سطحيا” و”مفروضا” دون أخذ آرائهم بعين الاعتبار. ووفقا لرأيهم، فإن هذا القرار لا يهدد فقط جودة التعليم الطبي في المغرب، بل يضع مستقبل المهنة على المحك، أهم ما أثار قلقهم هو “التدريب في المستشفيات الجامعية مقابل المستشفيات العمومية”.

ولتوضيح هذه النقطة، تجدر الإشارة إلى أن طلبة السنة السابعة في الطب كانوا يتمتعون بفرصة فريدة للتدريب في المستشفيات الجامعية، ما يضمن لهم تكوينا مميزا وواقعيا. ومع هذا التغيير، قد يتم تحويل هذا التدريب إلى مستشفيات عمومية إقليمية ومستوصفات في مناطق نائية، لا تتوفر على أبسط الإمكانات التي تمكنهم من صقل مهاراتهم كأطباء.

وما أثار امتعاض الأساتذة أيضا، هو الطريقة التي تم بها فرض هذا القرار عليهم وعلى الطلبة، حيث لم تشرك اللجان العلمية والبيداغوجية في صياغة هذا الإصلاح، بشكل مباشر وجدي، ما جعلهم يشعرون بأن القرار تم اتخاذه بعيدا عن الواقع العملي والاحتياجات الحقيقية للطلبة.

بين مصلحة الدولة واحتياجات الطلبة: هل تم تغليب أحد الطرفين؟

تقول الوزارة الوصية إن هذا القرار يأتي في إطار إصلاحات تهدف إلى تحسين المنظومة الصحية وتوفير عدد أكبر من الأطباء في المناطق النائية، بينما يرى الطلبة والأساتذة أن هذه التبريرات لا تصمد أمام التدقيق. في نظرهم، هذا القرار يخدم مصالح أخرى قد لا تصب في مصلحة المواطن أو الطلبة على حد سواء.

ومن الشكوك التي تحوم حول صحة القرار، هو ما يتجلى في تساؤلات البعض، حول ما  إذا كان هذا القرار سيخدم بشكل غير مباشر بعض الجامعات الخاصة، والمصحات التي قد تستفيد من تزايد عدد الأطباء غير المتخصصين. فالطلبة في إطار هذا النظام الجديد وخصوصا الذين لن ينجحوا في امتحانات التخصص سيضطرون للعمل في هذا القطاع بشروط قد تكون أقل من طموحاتهم.

هجرة الكفاءات، واحدة من القضايا التي أفرزها التصادم بين الوزارة والطلبة، ففي ظل هذا الغموض، يزداد احتمال هجرة عدد كبير من الأطباء الطموحين إلى الخارج لمواصلة دراستهم أو البحث عن فرص أفضل. ما يثير القلق هنا هو أن هؤلاء الأطباء، الذين تم تكوينهم بأموال الدولة، قد لا يعودون إلى أرض الوطن، وهو ما سيؤدي إلى نزيف في الكفاءات الطبية.

“السيناريوهات” المحتملة إلى أين تسير الأمور؟

أمام هذا الوضع، نُطرح على أرض الواقع عدة “سيناريوهات”، قد تكون بعضها قاتمة، أولها إمكانية حدوث رسوب جماعي وانسحاب الطلبة، ولا سيما في حال استمر الوضع على ما هو عليه، أو إعلانهم “الطلبة” عدم دخول السنة الثانية، وهو ما سيؤدي إلى نقص كبير في أعداد الأطباء المؤهلين في المستقبل، وقد يعرقل على عكس ما كانت تصبو إليه جهود الدولة في تحقيق أهدافها التنموية.

تصاعد الاحتجاجات أحد أبرز السيناريوهات المحتملة بقوة، حيث إذا لم تجد الوزارة حلا وسطا يرضي الطلبة، قد تتسع دائرة الاحتجاجات لتشمل مختلف الكليات، وربما يجد الاتحاد الوطني لطلبة المغرب نفسه في قلب الحراك، أو يندس بعضهم بحجة التضامن لأغراض أخرى، مما قد يزيد من تعقيد الأمور.

ولا شك أن من السيناريوهات الأخرى المطروحة هو تأثير جودة التعليم على صحة المواطن، ففي حال تم فرض القرار كما هو، قد يؤدي ذلك إلى تدهور جودة التعليم الطبي في المغرب، ما سينعكس بدوره على مستوى الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين.

حلول في ظل الحوار والإصلاح

في ضوء هذه الأزمة المتفاقمة، يبدو أن الحوار الجاد بين وزارة التعليم العالي، والطلاب، والأساتذة، هو الحل الوحيد لتفادي التصعيد، وقد يكمن ذلك في تطبيق برنامج الست سنوات على الطلبة الجدد، بعد إعادة دراسته من طرف الأساتذة، مع الحفاظ على سبع سنوات بالنسبة للطلبة الآخرين.

كما أن من الحلول المطلوبة بشدة، وفق ما يرى الكثيرون، هو إلغاء قرار التوقيف والطرد، وإلغاء المتابعة القضائية في صفوف الطلبة الرباطين، إضافة إلى إعادة فتح مكاتب ممثلي الطلبة بالكليات.

كما يتطلب عودة الطلبة واجتياز الامتحانات في ظروف بيداغوجية ملائمة، مع برمجة التدريبات الضائعة هذه السنة بعد السنة السابعة قبل تقديم الأطروحة، إضافة إلى ⁠اشتغال الأساتذة على النقط الأخرى المتعلقة بجودة التكوين في الكليات والمصالح الاستشفائية.

تعليقات( 0 )

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)