مهدي قطبي، قصة اليوم هي قصة رجل جارت عليه الحياة والقدر، فحين خلق من رحم والدته لم يولد وفي فمه ملعقة ذهب، وبعدما بدأ يتذوق طعم الحياة لم تمنحه إلا مرارتها وقساوتها، ولم تكتف بذلك فحسب بل سقته من جميع أنواع الفقر والحرمان، لكنه لم ييأس أبدا وظل متشبتا بمستقبل لا يعلم ماذا يخبئ له، وهل سيعوضه عن ما فاته أم سيكون أكثر قساوة.
مسار حياة هذا الرجل، كان مليئا بالمنعرجات التي أوصلته في آخر المطاف إلى وجهة كافأه بها القدر عن صموده، فلم يكن يعلم ذلك الطفل الصغير الذي كان يقضي يومه بين أزقة حي “التقدم” “المعاضيض” و”دوار الدوم”، وليله باكيا بعد حصة تعنيف أبوية، أن القدر الذي حرمه من الكثير سيجود عليه يوما ما بولادة أخرى سيكون فيها أشهر رسام مغربي، ورئيس لواحدة من المؤسسات المرموقة والرفيعة في المغرب.
وكان مهدي قطبي، الذي رأى النور في سنة 1951، ينتمي إلى أسرة بسيطة للغاية، لم يقضي طفولة طبيعية كباقي من كانوا في سنه، بل كانت صعبة جدا تطبعها القساوة، ولم يدرس الفن أو يرتاد أي مدرسة خاصة بالفن، لكن القدر كان بالفعل يخطط ليجعله يسلك هذا الطريق، فلعب لعبته!
مدت الأقدار الإلهية يدها إلى مهدي قطبي، لتخرجه من ظلمات حياته إلى نور حياة مختلفة تماما، فكانت المحطة الأولى حين شاءت الصدفة أن يلتقي بأحد كبار رجال الدولة، وزير الدفاع بالحكومة المغربية آنذاك، المحجوب أحرضان الذي ساعده على الالتحاق بالمدرسة العسكرية بمدينة القنيطرة، التي صقل فيها شخصيته القوية وأسلوب تواصله المتميز.
وكأن القدر حين أدخله لهذه المدرسة كان يهيئه لشيء ما في المستقبل، لم تبدأ معالمه في الوضوح إلا حين تعرف بمحض الصدفة كذلك على الرسام المغربي أحمد الغرباوي، الذي أعجب بخربشات قطبي ورسوماته وساعده على تطوير موهبته وتعريفه على رواد الفن التشكيلي في المغرب.
وكانت روحه تواقة لمعرفة المزيد واستغوار تفاصيل هذا الفن، فقرر أن يشد الرحال إلى فرنسا من أجل متابعة دراسته، فكانت البداية بمدرسة الفنون الجميلة بتولوز ومنها إلى المدرسة العليا للفنون الجميلة بباريس.
وبشكل تدريجي، بدأ اسم مهدي قطبي ينال شهرة واسعة، حيث أن أعماله كانت تعرض في العديد من المعارض الدولية الكبرى، وموهبته كانت محط إشادة الجميع من عشاق الرسم أو النقاد، خاصة وأنه لم يكن يقتصر فقط على رسم الخط العربي في لوحاته بل كان مصمما بارعا للحلي والاكسسوارات الخاصة بالنساء.
مكنته ملكة تصميم المجوهرات، من أن يتعامل مع كبريات دور الموضة و الماركات العالمية المتخصصة في صناعة الحلي، كما ربط علاقات مع النخبة المثقفة وكبار الشخصيات في فرنسا من فنانين، رؤساء وملوك، أهلته لأن يكون كما وصفه ماكرون بـ”جسر وصل بين البلدين”.
وكان مهدي قد أسس “دائرة الصداقة المغربية الفرنسية” في سنة 1991، كما أنه من أنشأ في سنة 2000 “دائرة الصداقة الأوروبية المغربية”، و “جمعية صلة وصل – المغرب أوروبا”، وكان عضوا في مجلس إدارة مجلس التنمية والتضامن.
وكل هذه التجربة التي راكمها مهدي قطبي، أهلته لأن يشغل منذ سنة 2012 منصب رئيس “المؤسسة الوطنية للمتاحف “، التي عينه جلالة الملك محمد السادس على رأسها.
وقام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الخميس الماضي، بترقية الفنان المغربي ورئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف بالمغرب، المهدي قطبي، إلى رتبة ضابط من درجة الاستحقاق الوطني، حيث منحه خلال حفل أقيم بقصر الإليزيه وسام من أرفع الأوسمة التي تمنح للشخصيات المميزة في فرنسا.
ولا تعد هذه المرة الأولى التي يحصل فيها مهدي قطبي على وسام مماثل، بل سبق أن تم توشيحه في سنة 2000 بوسام جوقة الشرف برتبة فارس، من طرف الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، لينال بعدها وسام جوقة الشرف برتبة ضابط من قبل نيكولا ساركوزي، وفي سنة 2016 أي إبان حكم الرئيس فرانسوا هولاند، حظي الفنان المغربي بوسام آخر، ويتعلق الأمر بوسام جوقة الشرف برتبة قائد.
تعليقات( 0 )