يوم شارك المغرب في أول مؤتمر دولي للبياطرة بألمانيا سنة 1899

وقعتُ على وثيقة هامة ضمن سياق إعادة قراءة واقع الحال بمغرب القرن 19، تأسيسا على سؤال محاولات الإصلاح التي انخرط فيها جزء من النخبة المغربية (ضمنها جزء وازن من المخزن المغربي)، تؤكد من بين ما تؤكد عليه أن الدولة المغربية على عهد السلطان مولاي عبد العزيز كانت منفتحة على مجالات اهتمام إصلاحية تدبيرية لم يسلط عليها الضوء كما يجب بتأثير من مدرسة التاريخ الفرنسية، من قبيل التفكير في محاولات تنظيم مجال تربية الماشية والذبح والمسالخ بالمدن المغربية (كان هناك مشروع جنيني منذ عهد السلطان مولاي الحسن الأول بطنجة وتطوان).

في هذه الوثيقة نجد قبولا للدولة المغربية لدعوة من الحكومة الألمانية للمشاركة في أول مؤتمر دولي موسع للبياطرة احتضنته إحدى المدن الألمانية في شهر غشت من سنة 1899، حيث تقرر إرسال ممثل للمغرب هو موظف المخزن الحاج محمد بنونة الفاسي (واحد من الطلبة المغاربة الذي كان قد أرسل ضمن وفد طلابي مغربي للدراسة بإيطاليا والذي قضى بها تسع سنوات حيث كان يتقن اللغة الفرنسية والإيطالية والإنجليزية).

وقبل سفره أرسل الصدر الأعظم با حماد (أحمد بنموسى) رسالة رسمية إلى المندوب السلطاني بطنجة محمد الطريس يخبره فيها بقبول المغرب المشاركة في ذلك المؤتمر الدولي حتى يخبر السفير الألماني بذلك، حيث تقول تلك الرسالة في جزء منها:
“(…)
فإن نائب جنس الألمان بذلك الثغر الطنجي حرسه الله كان كتب أولا عن إذن دولته، مُعْلِمًا بعزمهم على جعلهم مؤتمر في مدينتهم المسماة بأدرن ليحضرها وكلاء بياطرة جميع الدول ستة أيام من تاسع غشت إلى الرابع عشر منه بقصد مذاكرتهم في أمراض البهائم وغيرها من الحيوانات وفي وسائل حفظ صحتها من الأمراض الوبائية وغيرها من أنواع البيطرة حسبما بالبيانات التي وجه تقييدها المتضمن لتراجم الفصول التي تكون فيها المذاكرة طالبا إعلامه بما يقتضيه نظر المخزن الشريف وتعيين من يتوجه من قبله. وكان صدر له الجواب باقتضاء نظر جانب المخزن أعزه الله بتوجه نائب من قبل دولته لحضور هذا المؤتمر كسائر نواب الدول وأنه سيحضر في الإبان المعين لذلك (….)”.
(المصدر “وثائق تطوان” محفظة 26/ 29. رسالة مؤرخة ب 8 يوليوز 1899).

مثل هذه المبادرات الإصلاحية سيلتف عليها مخططو القوى الغربية حينها خاصة الفرنسية والإسبانية لتحجيم ممكنات إنجازها عبر اقتراح تعيين لجن دولية للصحة والنظافة بالمدن المغربية لعدم توفر المغرب على الأطر المؤهلة للقيام بذلك. وهي المقترحات التي كان المخزن يرفضها طبيعيا لإدراكه أن غايتها فرض الوصاية على القرار التدبيري مغربيا.
(الصورة نموذج للأبقار المغربية الأصيلة التي بدأت تنقرض الآن للأسف بسبب عمليات التهجين مع الأبقار الأوروبية التي تدر حليبا أوفر).

 

مقالات ذات صلة

الربح والخسارة.. في قضية وهبي والمهداوي

دراسة معمقة لإحصاء 2024: تراجع غير مسبوق للنمو السكاني ونمط جديد بالأسرة المغربية

دراسة معمقة لإحصاء 2024: تراجع غير مسبوق للنمو السكاني ونمط جديد بالأسرة المغربية

معركة المحامين وسؤال التمييز بين الضرر التكتيكي والأضرار الاستراتيجية

مشاهد غــزة، شهادة وحجة

في التأصيل للفلسطينية Palestinism

“الفلسطينية” (Palestinism) مقابل الصهيونية

في نقد تماهي السياسة العامة للدولة مع السياسة الجنائية الحكومية

مخاطر اللجوء الإعلامي للمواطن المغربي

لا للغموض.. تفاصيل أزمة طلبة الطب في المغرب وسوء الفهم الكبير

تعليقات( 0 )