في وقت تتسارع فيه وتيرة التحولات الرقمية، عاد شبح الأخبار الزائفة ليطرح نفسه بإلحاح على الساحة الإعلامية الوطنية، ليعيد تشكيل علاقة المواطن بالمعلومة ويختبر مناعة المجتمع والدولة معا.
وفي هذا السياق، نبهت لطيفة أخرباش، رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، خلال مداخلتها في لقاء حول “محاربة الأخبار الزائفة: مقاربات ورؤى متقاطعة”، من التضليل الإعلامي والذي قالت أنه لم يعد مجرد خلل طارئ، بل أصبح أحد أعراض أزمة أعمق تطال صلابة المنظومات الإعلامية وقدرتها على أداء وظائفها الديمقراطية.
وشددت أخرباش، على أن الأخبار الزائفة تمس جوهر الحق في الإعلام كما يكفله دستور المملكة، مؤكدة أن الحق في المعلومة لا ينفصل عن شروط الثقة والجودة والتعددية، فالمشكل، في نظرها، لا يكمن فقط في انتشار محتويات كاذبة، بل في بيئة تواصلية باتت تسمح للتضليل بأن يتكاثر ويتطبع ويؤثر في السلوك الجماعي.
واستحضرت المتحدثة أمثلة متعددة من السياق المغربي، من الشائعات التي رافقت جائحة كوفيد-19، إلى الأخبار المفبركة خلال الانتخابات، مرورا بالمحتويات المضللة التي صاحبت زلزال الحوز، وصولا إلى الحملات الإعلامية المعادية التي توظف قضية الصحراء المغربية عبر خرائط مزيفة وصور مفبركة وسرديات عاطفية موجهة للرأي العام الوطني والدولي.
وفي تشخيصها لأسباب هذا الوضع، ربطت أخرباش بين تفاقم التضليل والتحول العميق في أنماط استهلاك الأخبار، حيث تراجع دور الصحافة المهنية لصالح شبكات التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديو، مبرزة تحكم خوارزميات ذات منطق تجاري، وتفتقر إلى الضمانات التحريرية التي تشكل صمام أمان ضد الزيف والتلاعب.
وعبرت رئيسة “الهاكا” عن قلقها من تنامي تأثير الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى الإعلامي، في ظل غياب تأطير قانوني واضح وتوعية مجتمعية كافية، محذرة من أن هذه التكنولوجيا، رغم إمكاناتها، قد تتحول إلى أداة فعالة في تضخيم التضليل وتقويض الثقة في الخبر.
أمام هذا الواقع، اعتبرت أخرباش أن الاقتصار على التصحيح أو التكذيب أو حذف المحتويات يظل حلا ظرفيا، لا يرقى إلى مستوى التحدي، فالتصدي الفعلي للتضليل الإعلامي، في نظرها، يمر عبر تحرك عمومي منسق، يقوم على سياسة إرادوية لبناء صمود إعلامي مستدام، يزاوج بين الحرية والمسؤولية، ويعيد الاعتبار للإعلام المهني، ويعمم التربية الإعلامية والرقمية باعتبارها شرطًا لمواطنة واعية ونقدية.
حمزة غطوس

