كثيرون يتساءلون عن سر الخلافات العميقة، بين مقاربة المغرب والجزائر في الاستفادة من الربط الطاقي مع نيجيريا بواسطة أنبوب الغاز المثير للجدل. فإذا كان المغرب يحتاج إلى الغاز لدعم طموحه التنموي المتعدد المجالات، فإن الجزائر تتوفر أصلا على الغاز بوفرة وأيضا على إنتاج ضخم من البترول الشيء الذي تفتقره طبيعة المغرب، ومع ذلك فإن الباحثين لا يفهمون سر هذا التهافت الجزائري حول الظفر بمشروع هذا الأنبوب الواعد.
قد يرى البعض أن المسألة لا تتجاوز مسألة التنافس الاقتصادي والتجاري، بين جارين تجمعهما قوة ثوابت الارتباط التاريخي والاجتماعي، وتفرقهما طموحات الريادة والتميز القاري على أكثر من صعيد. لكن النظر العميق في هذا الموضوع، يكتشف خبايا أكثر تعقيدا تبرز بشكل قاطع فلسفة التنمية لدى كل دولة، وتوضح نظرة الدولتين إلى شعوب ودول القارة الإفريقية، وربما لهذا السبب تعثرت خطوات إنجاز هذا المشروع في أكثر من مناسبة.
الخلاصة العميقة لهذا الخلاف الجوهري بين الدولتين، تكشف وجها قبيحا للجمهورية العسكرية الجزائرية، ونظرة دونية تجاه الأفارقة. مقاربة المغرب في هذا المشروع، واضحة وتنطلق من معادلة رابح رابح، و تطمح إلى نقل الغاز في أفريقيا لمسافة 5600 كلم، لتستفيد منه 15 دولة إفريقية، إضافة إلى نيجيريا التي ستستفيد من عائدات التوزيع، وهي الدول الساحلية الأطلسية 11: بنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون، وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا، مع امكانية ربطه بثلاث دول غير ساحلية وهي مالي بوركينافاسو والنيجر، أي حوالي أزيد من نصف مليار نسمة (حوالي 521 مليون إنسان)، بما في ذلك المغرب ونيجيريا.
في المقابل نجد مقاربة الجزائر تضم فقط ثلاث دول وهي نيجيريا والنيجر والجزائر، في تعداد سكاني يقارب 290 مليون نسمة، بما في ذلك الجزائر ونيجيريا اللتان تتوفران على كميات تكفيهما وزيادة من الغاز، أي في حوالي نصف عدد الساكنة التي ستستفيد من مشروع الربط الغازي مع المغرب، واذا استثنينا الجزائر ونيجيريا فإن سكان النيجر المقدرة في حدود 26 مليون نسمة هم فقط من يستفيدون من هذا الربط.
هكذا تظهر فلسفة المغرب التنموية الشاملة في معادلة رابح رابح، لتعزيز ولوج نصف مليار نسمة إلى الطاقة، لاسيما أن دولا ضمن مشروع المملكة لاتغطي أكثر من نصف احتياجاتها من الكهرباء حاليا. كل هذا يعني تغير ربما جوهري في اقتصاديات الدول المعنية بأنبوب نيجيريا المغرب، التي قد تنفتح على مسارات اقتصادية جديدة في الصناعة والفلاحة والخدمات، إلى جانب التأثير الاجتماعي الكبير، على مزاج الساكنة التي ستنتعش بتوفير الكهرباء والطاقة، وستتحول فئات كبيرة منها من حالة اليأس والرغبة في الهجرة أو التطرف إلى فئات منتجة ونشطة.
في الصورة المقابلة، نجد الجزائر لا تهتم بهذا الجانب التنموي والاجتماعي لشعوب 14 دولة، وما يهمها ضمن نظرتها التقليدية البائدة هو محاصرة المغرب وتأخير مشاريعه النهضوية الاقتصادية، واستعمال الغاز للضغط السياسي على أوروبا، فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، وهي بذلك لا ترى أي حرج في حرمان نصف مليار إنسان من الولوج إلى عالم الكرامة والرفاه الاقتصادي!