كشف أنور قورية أن تحيين شركة “غوغل” لخريطة المغرب تتويج طبيعي لمسار طويل من الجهود الدبلوماسية المغربية، معتبرا إياه اعترافا ضمنيا من مؤسسة تكنولوجية كبرى بالواقع السياسي والقانوني للمملكة كما أقره المجتمع الدولي، مبرزا أنه بداية لمسار تصحيحي سيتوسع تدريجيا ليشمل باقي النسخ العالمية، وأكد أن مبادرته سنة 2024 إلى مراسلة “غوغل” بهذا الشأن جاءت بدافع الدفاع عن السيادة الرقمية للمغرب، مشددا على أن الدبلوماسية الرقمية أصبحت اليوم أحد أهم أذرع القوة الناعمة لنقل الرواية الوطنية بلغة العصر.
وأعرب أنور قورية، في هذا الحوار الذي أجراه معه موقع “سفيركم” الإلكتروني، عن موقفه من تحديث شركة ” غوغل” لخريطة المغرب عقب قرار مجلس الأمن، مشيرا إلى حقيقة ما يتم تداوله بخصوص ظهور الخريطة المحدثة بدون الخط الوهمي في النسخة المغربية فقط دون غيرها من الدول، وإمكانية اتخاذ شركات كبرى لخطوة مماثلة، كما ذكر بالرسالة التي سبق ووجهها إلى غوغل بهذا الخصوص، وكذا كيفية تفاعلها مع مبادرته، لافتا إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه الدبلوماسية الرقمية في الدفاع عن القضية الوطنية.
وهذا نص الحوار الذي أجراه الموقع مع أنور قورية، وهو خبير سيبراني، وخريج الدراسات الدولية للأمن الاستراتيجي والاستعلامات:
ما تعليقك على قيام شركة “غوغل” بتحديث خريطة المملكة المغربية عقب صدور قرار مجلس الأمن الأخير بشأن الصحراء المغربية؟
إن خطوة “غوغل” بتحديث خريطة المملكة المغربية الشريفة لتظهرها في امتدادها الجغرافي الكامل، دون الخط الوهمي الفاصل بين الأقاليم الجنوبية وباقي التراب الوطني، تعد تتويجا طبيعيا لمسار طويل من الجهود الدبلوماسية المغربية، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، فهذا التحيين ليس مجرد تعديل تقني، بل هو اعتراف ضمني من واحدة من أكبر المؤسسات التكنولوجية العالمية بالواقع السياسي والقانوني الذي أقره المجتمع الدولي تدريجيا، وهو أن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة المغربية يمثل الحل الواقعي والنهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية كما أن هذا التحديث يعكس انسجاما بين مخرجات مجلس الأمن الدولي والتوجهات الجديدة للشركات العابرة للقارات، التي باتت تدرك أن الاستقرار السياسي والوضوح الترابي يشكلان أساسا لأي تفاعل جغرافي أو رقمي مسؤول.
هل صحيح ما يتم تداوله بخصوص أن الخريطة المحدثة تظهر بدون الخط الوهمي في النسخة المغربية فقط، بينما ما يزال الخط ظاهرا في دول أخرى؟
من الناحية التقنية، نعم، قد تختلف طريقة عرض الخرائط من منطقة إلى أخرى تبعا لسياسات التوطين الجغرافي التي تعتمدها الشركات الرقمية الكبرى، لكن ما يهم في جوهر المسألة، هو أن النسخة المغربية أصبحت الآن تعكس الحقيقة التاريخية والجغرافية للمملكة المغربية، وهو تطور بالغ الرمزية والدلالة، وأنا أعتبر أن ظهور الخريطة الموحدة داخل النطاق المغربي يشكل خطوة أولى في مسار تصحيحي طويل، سيتوسع تدريجيا ليشمل باقي النسخ العالمية، لأن المنطق الواقعي للسياسات الدولية، كما عبر عنه مجلس الأمن في قراراته الأخيرة، يسير في اتجاه ترسيخ الحل المغربي باعتباره المرجعية الوحيدة ذات المصداقية القابلة للتطبيق والتنزيل على أرض الواقع.
هل تتوقع أن تتبع شركات تكنولوجية أخرى، مثل “آبل” و”مايكروسوفت”، الخطوة نفسها في المستقبل القريب؟
بكل تأكيد، البيئة الرقمية اليوم أصبحت تتفاعل بسرعة مع التحولات الجيوسياسية والشركات العالمية الكبرى، بما فيها “آبل” و”مايكروسوفت” وغيرها من الشركات المختصة في مجالات الذكاء الاصطناعي وانترنت الاشياء والنظم المعلوماتية الجغرافية، لا يمكنها البقاء بمنأى عن مخرجات الشرعية الدولية وواقع الاستقرار الإقليمي وأعتقد أن ما قامت به “غوغل” سيشكل سابقة وإطارا مرجعيا، وسيدفع باقي الفاعلين في المجال الرقمي إلى مراجعة محتوياتهم الخرائطية بما يتماشى مع القوانين الدولية ومع الوضع القانوني والسياسي للمملكة المغربية كما أقره مجلس الأمن، هذه الشركات تبحث دائما عن الموثوقية والدقة في معطياتها، وبالتالي فهي لن تتأخر كثيرا في توحيد خريطة المملكة المغربية بما ينسجم مع الواقع الميداني والسياسي الراسخ.
ما سبب مبادرتك في سنة 2024 للتواصل مع شركة “غوغل” ودعوتها لإزالة الخط الوهمي الذي يفصل الصحراء عن باقي التراب المغربي؟
مبادرتي جاءت من قناعة أكاديمية ووطنية بأن الصورة الرقمية اليوم تشكل امتدادا للسيادة الترابية، فكما تدافع الدبلوماسية الكلاسيكية في المحافل الأممية عن وحدة التراب الوطني، فإن الفضاء الرقمي يجب أن يعكس هذه الحقيقة أيضا، حين لاحظت استمرار وجود الخط الوهمي في خرائط “غوغل مابس”، وجدت أن من واجبي الأكاديمي والمهني أن أتدخل عبر القنوات المؤسسية لألفت الانتباه إلى عدم اتساق تلك الخرائط مع الواقع السياسي والقانوني للمملكة المغربية ومع قرارات مجلس الأمن الدولي… رسالتي كانت مؤسسة على حجج قانونية، دبلوماسية وتقنية، تبرز أن استمرار هذا الخط يشكل تناقضا مع التطور الذي تعرفه مواقف المجتمع الدولي تجاه مبادرة الحكم الذاتي المغربية، والحمد لله، تم التجاوب مع هذا المنطق الموضوعي والرصين، ولو بعد حين.
هل تلقيت أي تفاعل رسمي أو رد من شركة “غوغل” بعد هذه المبادرة؟
نعم، في حقيقة الأمر منذ أن راسلت شركة “غوغل” بتاريخ 31 اكتوبر 2024 تلقيت رسالة تفاعلية من فرق الدعم والتواصل داخل شركة “غوغل”، تقوم بتوجيهي لمراسلة أحد الأقسام المسند إليها استقبال مثل تلك المراسلات التي وجهتها للشركة، ومنذ ذلك الحين لم تبدي “غوغل” أي رد فعل تجاه الملاحظات التي قدمتها، كما أنه من الواجب استحضار مسألة مهمة تندرج في إطار السائد والمعروف أن الشركات التكنولوجية الكبرى لا تصدر عادة بيانات رسمية حول تفاصيل تعديلات الخرائط، إلا أن المخرجات العملية كانت أوضح من أي رد او تصريح، فالنتيجة التي نراها اليوم، أي حذف الخط الفاصل واعتماد خريطة موحدة للمملكة المغربية، تمثل بحد ذاتها جوابا مؤسسيا صريحا وهذا يؤكد أن العمل الأكاديمي عندما يبنى على الحجة والدليل ويقدم بلغة موضوعية، يمكن أن يكون له تأثير ملموس حتى على المنصات العالمية العملاقة.
في نظرك، ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الدبلوماسية الرقمية في الدفاع عن القضية الوطنية؟
الدبلوماسية الرقمية اليوم أصبحت أحد أهم أذرع القوة الناعمة للدول، فهي تمكن من نقل الرواية الوطنية إلى العالم بلغة العصر، لغة الصورة، والبيانات، والخطاب المتزن القائم على المعقولية والمصداقية، في حالة القضية الوطنية الأولى، يمكن للدبلوماسية الرقمية أن تقوم بدور استراتيجي في توحيد الخطاب، وتصحيح المغالطات، وإبراز الإنجازات التنموية والحقوقية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، كما أن التفاعل مع الشركات الرقمية الكبرى، ومع الرأي العام الافتراضي، يعد شكلا جديدا من أشكال الدفاع عن السيادة، كما يعد الوجه الثاني لعملة العمل الدبلوماسي الرسمي… وبقدر ما نحسن توظيف الأدوات الرقمية باحترافية وذكاء، بقدر ما نسهم في ترسيخ صورة المملكة المغربية كدولة موحدة كما يريدها جلالة الملك حفظه الله، مملكة منفتحة، وذات رؤية استراتيجية في محيطها الإقليمي والدولي.

