بقلم: عمر لبشيريت
فجأة، ومن دون سابق إنذار، اصطفّ الجميع خلف قطر. هكذا، بجرعة صاروخ، لم تعد قطر شيطانًا، ولا “خنزيرة”، ولا “إخوانجية”.
انتهت الحملة على قطر، ومعها حملة “تجنيس” المغاربة بالجنسية القطرية.
كانت الصواريخ الإيرانية كافية لإنهاء سردية “العمالة لقطر”، وإطلاق موجة احتفاء ببلاغ وزارة الخارجية المغربية، والعزف على نغمات الأخوّة والتضامن والسيادة.
صاروخ إيراني موجّه نحو قاعدة “العديد” الأمريكية، جعل من قطر شقيقة لنا.
حتى الأمس القريب، كانت “تهمة قطر” جاهزة لتُلصق بكل من عبّر عن رأي مختلف، أو تضامن مع غزة، أو أدان العدوان الإسرائيلي على إيران.
كانت تُهمة “أموال قطر” تتوزع يمينًا وشمالًا، تُلصق بكل من كتب سطرًا، أو أطلق موقعًا إخباريًا، أو خرج في مسيرة. حتى حزب عبد الإله بنكيران، وحزب النهج الديمقراطي، لم يسلما من تُهمة “التمويل القطري”.
أصبحت “قطر” تهمة جاهزة، تتعدّى الأشخاص لتطال حتى والدة حاكم قطر بالتجريح والتلميح.
وقطر، التي استعانت بالخبرة المغربية لتنظيم كأس العالم، والتي صرخت في اجتماعات مجلس الأمن (ما لم تفعله إسرائيل) بأن الصحراء جزء من السيادة المغربية، والتي تكثّف تعاونها العسكري مع المغرب، رغم ذلك، ظلّ “حراس الوطنية” يصرّون على جعلها تهمة.
لم تُسئ قطر إلى المغرب، لا رسميًا ولا شعبيًا، ولا لوحدته الترابية. ومع ذلك، جرى شيطنتها، واتهام المغاربة بأنهم “قطريون”.
اليوم، تضامن المغرب رسميًا مع قطر، وبعبارات أكثر من أخوية. فهل انضمّ المغرب الرسمي إلى “المتّهمين بقطر”؟
أصبحنا أشقاء لقطر، وسنكتب عشرات المقالات في مدحها والتضامن معها. وسننسى أنها، بالأمس فقط، بل قبل ساعة، كانت تُهمة، ووكراً للشيطان و”الإخونج”.
سيفتخر “حراس الوطنية” بصمود قطر، وسيحتفلون ببيان وزارة الخارجية، وسيصبحون هم أيضًا “إخوة لقطر”. وبذلك، سيتساوون مع من كانوا يتّهمونهم بقطر.
هكذا، وحّد صاروخ إيراني بين المتَّهِمين والمتَّهَمين، صاروا جميعًا إخوة لقطر، أو يمكن القول: صار الجميع متّهمين بقطر… كلنا قطر.
ثم، ماذا سنفعل بمن سبق اتهامهم بقطر؟ هل سنعتذر لهم؟ أم يكفيهم أن الجميع لحق بهم؟
أحيانًا، يسيء “الوطنيون جدًّا” إلى علاقات بلادهم الخارجية. يختلقون تُهمًا لا علم للوطن ولا للمسؤولين بها. حتى المسكين والي بنك المغرب حيّروه بالحديث عن “الأموال القطرية”، فراجع مكتب الصرف ولم يجد ريالًا واحدًا.
ماذا لو قررت قطر الدفاع عن نفسها، أمام سيل الشتائم التي وُجّهت لها ولرموزها الأميرية من قِبَل “ماريشالات الوطنية”؟
ثم، اليوم وقد أصبحنا جميعًا “قطريين”، فهل سيتم إغلاق “وكالة التجنيس” التي وزّعت تُهم “القطرية”؟ أم ستتفرغ لتجنيس الناس بـ”الجنسية الإيرانية”؟
من حق المغاربة أن يُعبّروا عن تضامنهم مع القضايا العادلة والإنسانية. فهم يفرحون أيضًا عندما يسمعون عن تضامن الآخرين معهم في قضيتهم الوطنية.
ومن يقلقه تضامن المغاربة مع غزة أو مع إيران، ويُوزّع عليهم تُهم “القطرنة” و”الإيرنة”، فإنه ببساطة يُخفي تضامنه مع أصل العدوان، ويحاول تغليفه بشعارات “الوطنية”.
في بداية التسعينيات، عندما قرر الملك الحسن الثاني، رحمه الله، المشاركة في التحالف الدولي ضد العراق، خرج في خطاب تلفزيوني وأعلن ذلك، ومنع التظاهرات. في اليوم التالي، خرج سي عبد الرحيم بوعبيد، رحمه الله، بنداء شهير قال فيه:
“على الشعب المغربي أن يعبّر عن تضامنه بكافة الوسائل.”
وبعد أسبوع، نُظّمت المسيرة التضامنية الكبرى مع العراق، والتي سار في مقدمتها جميع زعماء أحزاب الكتلة.

