تستمر الحصيلة الكارثية للإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة في الارتفاع، بشكل يومي منذ بداية الحرب على القطاع في 7 أكتوبر 2023.
واستشهد ما لا يقل عن 45,399 فلسطينيا بينهم 17,492 طفلًا، وأصيب أكثر من 107,940 شخصًا، في حين لا يزال 11,160 في عداد المفقودين، حسب الأرقام الفلسطينية.
هذه الأرقام، التي كانت في السابق تهيمن على عناوين الأخبار وتثير غضبا عالميا فوريا أصبحت الآن تُعامل كأنها مجرد تحديث يومي في سياق الصراع المستمر.
ويشير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى دمار غير مسبوق، إذ أن أكثر من نصف منازل غزة تضررت أو دُمّرت، فيما 80% من المنشآت التجارية في حالة خراب، و88% من المباني المدرسية تضررت، ولا يزال 17 مستشفى فقط من أصل 36 تعمل جزئيا بينما تعرض 68% من شبكات الطرق والأراضي الزراعية للتدمير.
وأصدرت القوات الإسرائيلية أكثر من 65 أمر إخلاء منذ 7 أكتوبر، مما أجبر حوالي 80% من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة على الفرار من منازلهم.
ويحدث هذا النزوح الجماعي داخل واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، مما يخلق أزمة إنسانية ذات أبعاد هائلة.
ورغم حجم المعاناة، شهد التفاعل العام مع هذه التطورات تراجعت ملحوظا، ففي حين كان الناس يقضون ساعات في متابعة الأخبار والاستجابة للنداءات الإنسانية، أصبح العديد يمرون على عناوين الأخبار حول غزة دون استجابة عاطفية تُذكر.
ويسمي الباحثون هذه الظاهرة ك منذ فترة طويلة “إجهاد التعاطف”، وهي حال تأتي بعد التعرض المطول لمعاناة الآخرين وتؤدي إلى استجابة عاطفية متناقصة.
وتكشف الدراسات السريرية حول إجهاد التعاطف عن أسسها العصبية المعقدة، فعندما يواجه الأفراد معلومات متكررة عن أحداث مؤلمة، تظهر تغييرات قابلة للقياس في نشاط مراكز معالجة العواطف في الدماغ.
ووفق لبحث أجراه عالم النفس تشارلز فيغلي، يتجلى إجهاد التعاطف كـ”حالة من الإرهاق والخلل الوظيفي، بيولوجيا وفسيولوجيا وعاطفيا نتيجة التعرض المطول للإجهاد العاطفي”.
ولا يعد هذا التبلد النفسي بالضرورة علامة على فشل أخلاقي، ولكنه آلية دفاعية طبيعية، حسب البحث.
ويشير الباحثون إلى أن وسائل الإعلام تلعب دورا في تفاقم هذه الظاهرة، عندما يصبح الموت والدمار أمرا متكررا في الأخبار، الأمر الذي ينزع منها قدرتها على إثارة الاهتمام.
ووفقًا البحث، فإن التغطية الإعلامية للأزمات تنخفض بنسبة 60-80% في غضون الأشهر الثلاثة الأولى من ذروة الاهتمام.
وتزداد هذه الظاهرة حدة في البيئة الإعلامية الحديثة، حيث تقدم دورات الأخبار على مدار الساعة وتحديثات وسائل التواصل الاجتماعي محتوى مكثفا ومشبعا.
وتشير الدراسات إلى أن التشبع بالمعلومات يؤدي إلى “إجهاد الأخبار”، حيث يشعر الأفراد بالإرهاق ويتجنبون متابعة الأخبار، حتى تلك المتعلقة بقضايا إنسانية حاسمة.