بقلم: عمر لبشيريت
سواء أمطرت السماء أم لم تمطر، فإن “خراج” مغاربة العالم لا ينقطع عن خزينة المملكة. ملايير الدراهم تتدفق سنويًا من الخارج، في انتظام لا تعوقه أزمة ولا وباء. إنه “الموسم” الوحيد الذي لا يعرف الجفاف، في وقت تئن فيه البلاد تحت وطأة عجز تجاري متنامٍ، وتحديات اقتصادية متلاحقة.
أمام هذا الواقع، لم تعد عبارة الماريشال ليوطي: “أن تحكم المغرب يعني أن تُسقِط المطر” تعبّر عن جوهر الحكم أو موازين الاقتصاد. المغرب تغيّر كثيرا. مغرب اليوم يُعوّل، أكثر من أي وقت مضى، على أمطار من نوع جديد: أمطار مغتربة، تنهمر بالعملة الصعبة من أبناء الوطن في الخارج، لتبقي عجلة الاقتصاد دائرة، والاحتياطي النقدي في مستوى مقبول.
تُسمّى الجالية المغربية بالخارج بـ”الجهة 13”، لكنها جهة بلا ولاة ولا عمال، بلا ميزانية، بلا مقرات، ولا حتى مؤسسات فاعلة. ومع ذلك، يسكنها نحو 6.5 ملايين مغربي، يمثلون 15٪ من سكان البلاد، 60٪ منهم تتراوح أعمارهم ما بين 15 و39 سنة. شباب، نشيط ومكوّن، ويعيش في أكثر من مئة دولة.
ورغم غياب أي استثمار مؤسساتي أو سياسي في هذه الجهة، فإنها تساهم بنحو 8٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وتغطي حوالي ثلثي العجز التجاري للمملكة، وتشكّل تحويلاتهم 20٪ من السيولة البنكية الوطنية، وفق معطيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
في أبريل الماضي وحده، بلغت تحويلاتهم 26.22 مليار درهم، ضعف ما جلبته الحكومة من استثمارات أجنبية. وبحسب مكتب الصرف، بلغت تحويلاتهم خلال السنة الماضية أزيد من 117 مليار درهم، متجاوزة بذلك حتى مداخيل الفوسفات، المورد التاريخي للبلاد.
غير أن هذه الأرقام الباهرة لا تجد لها انعكاسًا في المعاملة. الدولة تتلقى “الخراج”، ثم تدير الظهر. المؤسسات المفترض أن تُعنى بهم تعاني الجمود: “مؤسسة الحسن الثاني” لم تجدّد مجلسها الإداري منذ عقود، وكاتبها العام تجاوز سن التقاعد منذ سنين، و”مجلس الجالية المغربية بالخارج” انتهت ولايته منذ 24 سنة دون تجديد، ورغم دسترته في 2011، لم يتم تنصيبه ولا إخراج القانون المنظم له إلى اليوم. في حين لم تُفعّل بعد “المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين في الخارج” التي أعلن عنها الملك شخصيًا في خطاب رسمي. ولا يعرف تاريخ إخراجها إلى الوجود.
جميع المؤسسات التي أنيط بها تمثيل مغاربة المهجر ومتابعة قضاياهم مصابة بالشلل، مصابة بالكساح.
والأدهى، أن حقوق المواطنة السياسية لمغاربة المهجر ما تزال معلّقة. الفصل 17 من الدستور يضمن لهم الترشح والتصويت، لكن النص بقي معطلاً، وكأن المواطنة تُمنح بشروط الزمان والمكان، لا بالانتماء والمشاركة الفاعلة.
ما نراه اليوم ليس فقط إجحافًا في حق من يمثّلون الرئة المالية للبلاد، بل تجاهلًا لإمكانات ضخمة يمكن أن تشكل رافعة اقتصادية وتنموية وسياسية للمغرب. هؤلاء ليسوا فقط “بقرة حلوبًا”، بل قوة اقتراح ومبادرة، ورافعة بشرية واستراتيجية، إن أحسنّا التعامل معها.
الاعتراف الحقيقي بمغاربة العالم لا يكون بأيام الجالية أو مهرجانات الصيف، بل بتفعيل المؤسسات، وصون الحقوق، وربط الجسور معهم بما يليق بإسهامهم في بناء الوطن، ولو من بعيد.
أكثر من الإجحاف والتبخيس، إننا أمام لامبالاة مطلقة وتعامل مبني على الريع. منطق “الخراج” هو الذي يتحكم في سياسة الدولة. أعرف عائلات وأصدقاء بكندا وأمريكا الشمالية واللاتينية واستراليا وآسيا لم تزر المغرب منذ سنين بسبب جشع الخطوط الملكية المغربية.
هل ستسمح الأجيال القادمة لمغاربة العالم بهذا التعامل الريعي؟ مؤشرات كثيرة تقول إن هذا البئر يمكن أن يجف إذا لم يحسن سقيه وتنظيف قعره، والعناية به.
رفقا بالجهة 13 للمملكة.