شهد العمل البرلماني، وخاصة ما يرتبط منه بالدبلوماسية البرلمانية، تطورا ملحوظا خلال هذه السنة، لا سيما بعد الخطاب الملكي في افتتاح الدورة الربيعية للسنة التشريعية، الذي دعا فيه الملك البرلمان إلى تفعيل أمثل وأوسع للدبلوماسية البرلمانية، خصوصًا فيما يتعلق بملف القضية الوطنية.
وقد دعا الملك، في الخطاب ذاته، البرلمانيين إلى التحلي بالسرعة والكفاءة والاجتهاد في تفعيل الدبلوماسية البرلمانية، بالتوازي مع الدبلوماسية الرسمية، حتى تكون هذه السنة سنة الحسم في القضية الوطنية، على أساس مقترح الحكم الذاتي، وتحت السيادة المغربية.
وفي هذا السياق، قال رشيد لبكر، رئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق بالجديدة، إن “الترافع البرلماني من شأنه أن يُفضي إلى فهم حقيقي وموضوعي لأطوار قضيتنا الوطنية، ومن ثم توسيع قاعدة الدول الداعمة للوحدة الترابية، بالنظر إلى العلاقات المتعددة التي يمكن أن تربطها المؤسسات البرلمانية مع نظيراتها في إطار اتحادات دولية، حيث تُعد هذه الاتحادات فضاءً لتبادل التجارب وتقريب وجهات النظر حول القضايا المشتركة بين برلمانات الدول”.
وأضاف لبكر، في تصريح خصّ به موقع “سفيركم”، أن “فتح مثل هذه النوافذ على الدول التي كانت تعاكس وحدتنا الترابية، في إطار أدوار الدبلوماسية البرلمانية، من شأنه تغيير وجهات نظر هذه الدول، ولفت انتباهها إلى الحقيقة التي كانت غائبة عنها بفعل تحركات الخصوم الذين لا يتركون فراغًا إلا ويملؤونه”.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن “البرلمانات تسعى إلى الدفاع عن مصالح الشعوب التي تمثلها، وتعمل على تبديد سوء الفهم ونقاط الخلاف، ومن ثم التأثير على الحكومات لاتخاذ قرارات تصبّ في مصلحة الدول. ولا يخفى أن البرلمانات، في جميع دول العالم، وليس في المغرب فقط، تُعد مؤسسات رفيعة ذات كلمة مسموعة، وبالتالي فهي تساهم في صناعة القرارات الوطنية والتأثير فيها”.
ودعا المتحدث البرلمان إلى “تحمل مسؤولياته في هذا الاتجاه، وأن يكون صاحب المبادرة والمساند الفعلي للدبلوماسية الرسمية والمُلهم لها. فخصومنا نشطوا كثيرًا في أمريكا اللاتينية، وكسبوا على مدى سنوات مساحات نفوذ كبيرة، وقد حان الوقت لمواجهتهم دبلوماسيًا في معاقل تحركاتهم وساحات نفوذهم”.
وفي السياق ذاته، قال العباس الوردي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “التوجيهات الملكية التي تضمنها خطاب افتتاح الدورة الربيعية أمام البرلمانيين والبرلمانيات، ساهمت في إنعاش الدبلوماسية البرلمانية بشأن القضية الوطنية، من خلال تنظيم مجموعة من اللقاءات المكثفة، بالإضافة إلى تجسير العلاقات التقليدية والحديثة مع عدد من الشركاء، بهدف تسليط الضوء على مجموعة من القضايا المشتركة بين المغرب وشركائه، سواء على المستوى الثنائي أو المتعدد الأطراف”.
وأضاف الوردي، في تصريح لموقع “سفيركم”، أن “هذه اللقاءات شهدت تقديم دلائل دامغة تُدحض الأكاذيب التي تروّج لها بعض الكيانات الظلامية الضالة في العلاقات الدولية بشأن الوحدة الترابية للمملكة، كما تم التعريف بمغزى مشروع الحكم الذاتي، الذي اقترحه المغرب سنة 2007، باعتباره الحل الوحيد والواقعي والمصداق والنهائي لطي هذا النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية”.
وختم أستاذ القانون العام بالقول إن “المغرب يستعد هذا العام للاحتفال بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفّرة، التي قادها الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1975. وعلى هذا الأساس، يتم وصل الماضي بالحاضر بخطوات عملية وواقعية، تنسجم مع المنظومة الدولية والإفريقية، من خلال قيادة الملك محمد السادس لعدد من المبادرات الكبرى، مثل المبادرة الأطلسية، وأنبوب الغاز النيجيري، والمشاريع الكبرى المهيكلة، التي تعكس رؤية المغرب المبنية على التعاون المشترك، إقليميًا ودوليًا، وليس فقط على التفكير في مصالحه الخاصة”.