ترأس الفريق أول محمد بريظ، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية، يوم الإثنين الماضي في الرباط، الاجتماع الـ22 للجنة العسكرية المختلطة المغربية-الفرنسية، بحضور الجنرال تييري بوركهارد، رئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية. وذالك في إطار تنفيذ تعليمات الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، بهدف تعزيز التعاون العسكري بين البلدين.
وتتطور العلاقات العسكرية المغربية-الفرنسية بشكل مستمر، حيث ركزت المباحثات الأخيرة على تعزيز التعاون الثنائي في مجالات متعددة، فضلا عن مناقشة الوضع الأمني الإقليمي والدولي وتحديات الحرب الهجينة؛ ومن خلال هذا التعاون، يبرز التنسيق المستمر بين القوات المسلحة المغربية والفرنسية في مواجهة التحديات المشتركة.
وفي تعليقه على هذا الموضوع، أكد محمد الطيار، الخبير العسكري والأمني، في تصريح لجريدة “سفيركم”، أن التعاون العسكري مع فرنسا يكتسب أهمية كبيرة نظرا للتطورات التي شهدها المغرب في هذا المجال، خصوصا فيما يتعلق بمساعيه لتوطين الصناعة العسكرية، مضيفا أن الشركات العسكرية الفرنسية تسعى بشكل كبير للتموقع في هذا المشروع.
وفيما يخص الحروب الهجينة، أوضح الطيار أنها تمثل الجيل الخامس من الحروب، وهي تطور للحرب غير المتناظرة (الجيل الرابع)، حيث تتصارع الدول مع كيانات غير دولية. وأشار إلى أن الحروب الهجينة، التي تتضمن استخدام وسائل متعددة مثل الطائرات بدون طيار و”المجموعات الإرهابية”، وفق تعبيره، هي سمة العصر الحالي.
وأشاد الطيار بمكانة المغرب في مواكبة هذه المستجدات، مؤكدا أن المملكة قد أثبتت تفوقها في تطوير ترسانتها العسكرية، التي تواكب أحدث الأسلحة الدقيقة. كما أشار إلى أن فرنسا تولي اهتماما بالغا بالتعاون العسكري مع المغرب، خاصة في ظل تراجع وضعها السياسي والعسكري في إفريقيا، مما يجعلها تعتمد على المغرب كحليف استراتيجي للحفاظ على مصالحها في منطقة الساحل والصحراء.
من جهته، قال المحلل السياسي محمد شقير في تصريح لـ”سفيركم” أن هذه الزيارة تأتي في سياق تداعيات الزخم السياسي الذي شهدته العلاقات الثنائية، خاصة بعد زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة، والتي أسست لشراكة جديدة تقوم على تبادل المصالح والتعاون المشترك في عدة مجالات، بما فيها التعاون العسكري.
وأشار شقير إلى أن من بين النقاط المهمة التي تم تناولها هي سبل تعزيز الترسانة العسكرية المغربية، خاصة في ما يتعلق بتحديث البحرية الملكية، بما في ذلك إمكانية اقتناء بعض المعدات العسكرية الفرنسية المتطورة التي يحتاجها المغرب للحفاظ على أمن شواطئه الممتدة على طول 3500 كيلومتر، وكذلك إعادة التوازن العسكري مع دول الجوار مثل إسبانيا والجزائر اللتين تمتلكان غواصات بحرية متطورة.
وأضاف شقير إلى أنه ورغم فترات التوتر بين البلدين، فإن التعاون العسكري بينهما استمر بفضل عدة عوامل أساسية، أبرزها العلاقات التاريخية العميقة بين المغرب وفرنسا. فقد شارك الجنود المغاربة في الحربين العالميتين تحت قيادة فرنسا، حيث حث الملك محمد الخامس المغاربة على الانخراط في الحرب ضد القوات النازية، ما دفع فرنسا إلى تكريم الملك بعد استقلالها بوسام اعتراف تقديرا للمساهمة العسكرية المغربية، حتى في فترة الاحتلال.
وأوضح المتحدث أن فرنسا لعبت دورا مهما في تأسيس القوات المسلحة الملكية، حيث عمل العديد من الأطر العسكرية المغربية ضمن الجيش الفرنسي، مثل المدبوح وأوفقير وغيرهم. كما أن العقيدة العسكرية المشتركة بين البلدين، التي تقوم على الاستقلالية وضمان السلم العالمي، ساهمت بشكل كبير في استمرار التعاون العسكري بينهما.
وفي السياق ذاته، أكد شقير أن المغرب يعتبر قوة إقليمية أساسية تساهم في استقرار منطقة شمال أفريقيا والمنطقة المغربية التي تعتبر جزءا من الأمن الإقليمي لدول الاتحاد الأوروبي. كما يساهم في ضمان أمن منطقة الجنوب المتوسطي.
ومن جهة أخرى، كشف أن بعد تراجع النفوذ العسكري الفرنسي في دول الساحل وغرب أفريقيا، ترى فرنسا أن المغرب قد يكون جسرا لإعادة تجديد وجودها العسكري في هذه المنطقة على أساس سياسي وعسكري جديد.
وأفاد المحلل السياسي أن موقع فرنسا في منطقة أوروبا الجنوبية وموقع المغرب في منطقة شمال أفريقيا يشكلان مجالات استراتيجية للتعاون بين البلدين، بهدف احتواء تداعيات عدم الاستقرار الناجمة عن الحرب الروسية-الأوكرانية أو حروب الشرق الأوسط مثل حرب غزة ولبنان وسوريا، وما ينتج عنها من أنشطة لتنظيمات “متطرفة” مسلحة.
وأضاف أن التنسيق الأمني والعسكري بين البلدين، بما في ذلك التعاون في مجالات مثل الأمن السيبراني والتكنولوجي، سيسهم بشكل كبير في مواجهة تداعيات هذه الحروب الهجينة بمختلف تجلياتها.
وأوضح في كلمته أن زيارة الدولة التي قام بها الرئيس ماكرون إلى المملكة شكلت أرضية جديدة للتعاون العسكري والأمني بين البلدين، حيث تم من خلالها إبرام مجموعة من اتفاقيات التعاون العسكري، بالإضافة إلى انعقاد اللجنة العسكرية التي أكدت على وضع اللبنات الأساسية لشراكة عسكرية وأمنية تتماشى مع التطورات الجيوستراتيجية في المنطقة المتوسطية والإفريقية.
وفي الختام شدد شقير أن هذه الشراكة تكتسب أهمية خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من تهديدات أمنية وعدم استقرار سياسي، سواء في ليبيا وتونس أو في دول الساحل، بالإضافة إلى تداعيات الحروب المستمرة في الشرق الأوسط.
وكان بلاغ للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية أفاد أن المباحثات بين الطرفين تركزت على تعزيز التعاون العسكري الثنائي، بالإضافة إلى مناقشة الوضع الأمني الإقليمي والدولي.
كما أشاد المسؤولان بالمستوى المتميز للعلاقات بين القوات المسلحة للبلدين، التي تزداد قوة في مختلف المجالات، واتفقا على الاستفادة من الدينامية التي أرسى دعائمها كل من الملك محمد السادس والرئيس إيمانويل ماكرون.
كما تم التطرق خلال الاجتماع إلى نتائج التعاون العسكري لعام 2024، بالإضافة إلى الأنشطة التي ستُنفذ في عام 2025.
وفي ذات السياق، أجرى الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، محادثات مع الجنرال بوركهارد، حيث أعربا عن ارتياحهما للتعاون المثمر بين البلدين، وأكدا على آفاق توسيع هذه العلاقات لتشمل مجالات الفضاء والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي بما يخدم القوات المسلحة والصناعة الدفاعية.