كشف تقرير حديث، صادر عن المجلس الأعلى للحسابات، خبايا الوضعية المقلقة للصحة العقلية في المغرب، مسلطا الضوء على التحديات الهيكلية التي تعيق النهوض بهذا القطاع، التي تتمثل أساسا في عدم وجود إطار قانوني ملائم، وضعف التنسيق بين الأطراف المتدخلة، وكذا قصور أنظمة المراقبة والرصد.
وأوضح المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره السنوي، في الفصل الثالث المعنون بـ”مراقبة التسيير وتقديم المساعدة”، في المحور المتعلق بـ”الصحة العقلية: حاجيات متزايدة تستدعي إعادة النظر في المنظومة”، مبرزا أن الخطط والاستراتيجيات الوزارية التي كان قد تم تنفيذها جزئيا، تخللتها إكراهات هيكلية، تمثلت أساسا في عدم ملائمة النصوص القانونية المعتمدة مع المبادئ التوجيهية للهيئات الدولية ومع الممارسات الفضلى، وضعف في تنسيق تدخلات الجهات الفاعلة في منظومة الصحة العقلية لاسيما في غياب إطار ملائم للحكامة.
وذكر التقرير في البداية، عدم وجود إطار قانوني ملائم، حيث إن الصحة العقلية في المغرب تخضع لمقتضيات الظهير الشريف، المتعلقة بضمان الوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين بها رقم 1.58.295 بتاريخ 30 أبريل 1959، إضافة إلى قوانين عامة تنظم المنظومة الصحية، مؤكدا أن هذه القوانين لم تعد ملائمة للتطورات الحديثة وأفضل الممارسات الدولية.
وفي هذا الصدد، أشار التقرير إلى أن هذه النصوص القانونية “تركز بشكل أساسي على أساليب الاستشفاء دون التطرق لأساليب الرعاية الأخرى كمؤسسات العلاجات المتنقلة. هذا، بالإضافة إلى أن هذه النصوص تؤطر العلاج النفسي في جانبه الطبي فقط دون تناول مكوناته المرتبطة بتفاعله مع مجالات الرعاية الاجتماعية من أجل إعادة التأهيل وإعادة الإدماج الاجتماعي الضروريين لاستمرارية العلاج”.
ولفت المجلس إلى تعدد الأطراف المتدخلة في مجال الصحة العقلية، من وزارة الصحة والقطاعات الوزارية الأخرى ومؤسسات الرعاية الاجتماعية والجمعيات المدنية، مشيرا إلى أن هذا التعدد في الجهات الفاعلة لم يرافقه أي انسجام أو تكامل، مبرزا أن منظمة الصحة العالمية تؤكد على أهمية اتخاذ إجراءات في إطار تشاركي متعدد القطاعات لوضع استراتيجيات تخص الصحة العقلية.
وقال التقرير: “في غياب شراكات بين وزارة الصحة والقطاعات الوزارية الأخرى ذات الصلة ومؤسسات الرعاية الاجتماعية والجمعيات النشيطة في مجال الصحة العقلية، وفي ظل عدم قدرة إطار الحكامة المعتمد حاليا على ضمان تكامل وتناسق الإجراءات المتخذة، فإن مجال الصحة العقلية في حاجة ملحة لآليات من شأنها إرساء تعاون وتنسيق حقيقيين بين هؤلاء المتدخلين”.
وسجل المجلس أن نظام المراقبة والرصد في المغرب يعاني من فجوات كبيرة، أبرزها غياب البيانات والمعطيات الدقيقة والحديثة والواقعية المتعلقة بانتشار الأمراض العقلية في المجتمع المغربي، موضحا أن آخر دراسة استقصائية شاملة أجريت في المغرب كانت قبل 20 عاما، ما يجعل عملية تقييم الوضع الحالي ووضع استراتيجيات تلامس هذا الواقع أمرا صعبا، من شأنه أن يحد من قدرة السلطات على متابعة التقدم المحرز أو تحديد أولويات التدخل.