كشف تقرير حديث للمجلس الأعلى للحسابات، عن عدة اختلالات بقطاعات هامة بالبلاد، ومن بينها القطاع الطاقي.
واعتبر المجلس في تقريره السنوي 2023-2024 بأن الأهداف الرئيسة للاستراتيجية الطاقية الوطنية 2009-2030 هي تأمين الإمدادات وتوفير الطاقة مع تعميم الولوج إلبها بأسعار تنافسية.
وأشار التقرير إلى حكامة القطاع، حيث “اقتصر التخطيط الطاقي بشكل أساسي على قطاع الكهرباء، مشيرا إلى بلورة مخططات التجهيز المرتبطة بتوليد ونقل الطاقة الكهربائية في حين لا تشمل هذه العملية جوانب أخرى مهمة كتأمين الامدادات والنجاعة الطاقية وتنويع مصادر الطاقة”.
وأوضح المجلس على أن مجلس إدارة المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب لم يعقد سوى خمس اجتماعات خلال الفترة 2010-2024 من أصل 28 اجتماعا كان يفترض عقدها طبقا للقانون.
كما سجل التقرير محدودية اللجوء إلى آلية التعاقد بين الدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية لقطاع الطاقة، “وذلك رغم القيام بعدة مبادرات في هذا الاتجاه”، مضيفا أنه منذ 2008، قبل إطلاق الاستراتيجية، لم يتم إبرام سوى عقدي برامج مع المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، الأول غطى ما بين 2008 و2011، والثاني ما بين 2014 و2017.
وفيما يخص الانجازات المحققة التي تضمنتها الاستراتيجية، انتقلت حصة الطاقات المتجددة في القدرة المثبتة من %32 سنة 2009 إلى %40 نهاية سنة 2023، لكنها حسب التقرير، “تبقى دون هدف %42 المحدد لسنة 2020 ويرجع ذلك إلى تأخر إنجاز عدد من المشاريع المتعلقة بإنتاج هذه الطاقات”.
كما لم يتم الترخيص لعدد من المشاريع التي تقدم بها القطاع الخاص في إطار القانون رقم 13.09، وذلك نظرا لنقص القدرة الاستيعابية لشبكة نقل الكهرباء، يضيف التقرير.
وتابع المجلس رصد الاختلالات على المستوى الطاقي، حيث كشف على أن نقل منشآت ومشاريع الطاقة المتجددة من المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب إلى وكالة “مازن” عرف تأخرا ملحوظا، فإلى غاية متم شتنبر 2024 لم يتم هذا النقل بعد، علما أن القانون رقم 38.16 المعدل والمكمل للظهير المنشئ للمكتب حدد نهاية شتنبر لسنة 2021 كموعد أقصى لهذه العملية.
وتأخر أيضا، حسب المجلس، فصل الأدوار في قطاع الكهرباء حيث إلى متم شتنبر 2024، لم يتحقق الفصل المحاسبي لأنشطة الإنتاج والنقل والتوزيع للمكتب، كما لم يحدد موعد نهائي لهذا الفصل، وهو “وضع من شأنه تأخير تحقيق أحد الأهداف الهامة للقانون رقم 48.15، المتمثل في إنشاء مسير للشبكة الكهربائية الوطنية”، يضيف التقرير.
أما في ما يخص الطاقة النووية والطاقة الحيوية، التي اعتمدتهما الاستراتيجية الطاقية الوطنية كخيارين مفتوحين لتعزيز الأمن الطاقي للبلاد، فقد سجل المجلس أنه إلى حدود نهاية سنة 2023، لا يزال تطوير هذين الخيارين في مراحله الأولى.
ومن ناحية أخرى، اعتمدت الاستراتيجية الطاقية الوطنية النجاعة الطاقية كأولوية وطنية، وفي هذا الإطار تم تحضير نسخة أولى للاستراتيجية الوطنية للنجاعة الطاقية سنة 2014، ثم نسخة ثانية سنة 2019، لكن “لم تتم المصادقة على أي من النسختين، مما أعاق التنفيذ الفعال للتدابير المخطط لها، كما ساهم في محدودية تنفيذ هذه التدابير ضعف موارد التمويل وتأخر إصدار عدد من النصوص التطبيقية المتعلقة بالقانون رقم 47.09 المتعلق بالنجاعة الطاقية، إضافة إلى عدم وجود إطار تحفيزي قادر على إرساء ثقافة النجاعة الطاقية لدى القطاعات المعنية”.
وفي ما يتعلق بقطاع المحروقات، منذ اعتماد الاستراتيجية سنة 2009، ظلت المخزونات الاحتياطية لمختلف المنتجات البترولية دون المستوى المحدد في 60 يوما، ففي سنة 2023، لم تتعد مخزونات كل من الغازوال والبنزين وغاز البوتان على التوالي 32 و37 و31 يوما. كما سجلت محدودية التقدم المحرز في مجال تنويع نقاط دخول المنتجات البترولية المستوردة، بإضافة نقطة دخول فريدة بميناء طنجة المتوسط منذ إطلاق لاستراتيجية الطاقية الوطنية 2030-2009.
وفي ما يخص قطاع الغاز الطبيعي، لوحظ عدم استكمال المبادرات المتخذة لتطويره، مما يؤثر على الجهود الرامية إلى التخلي التدريجي عن الفحم في إنتاج الكهرباء، حيث تم إطلاق عدة مبادرات لتطوير قطاع الغاز الطبيعي منذ سنة 2011، إلا أنه لم تتم بلورتها في إطار استراتيجية رسمية.
وبعد أن رصد التقرير الاختلالات الطاقية، أوصى المجلس رئاسة الحكومة بالعمل على بلورة استراتيجية وطنية للنجاعة الطاقية والمصادقة عليها وأجرأتها، وكذا وضع إطار تحفيزي بهدف تشجيع تدابير النجاعة الطاقية.
كما أوصى الوزارة المكلفة بالانتقال الطاقي والتنمية المستدامة بوضع إطار، تدبيري للقطاع الطاقي يعتمد على برامج عقود بين الدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية في القطاع مع الحرص على التنفيذ الأمثل لبنودها، كما دعا المجلس ذات الوزارة، في ما يخص قطاع الكهرباء، إلى تسريع مسلسل الإصلاح من خلال الفصل بين أنشطة الإنتاج والنقل والتوزيع، واستكمال إصدار النصوص القانونية المتعلقة بضبط القطاع، ولاسيما تلك الخاصة بإحداث جهة مسيرة لشبكة نقل الكهرباء وتنظيم عملها.
كما شدد في تقريره على ضرورة بإتمام عملية نقل منشآت الطاقات المتجددة من المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب إلى وكالة “مازن”، وبوضع آليات لتدبير ومراقبة المخزون الاحتياطي لقطاع المحروقات بهدف التخفيف من أثر تقلبات الأسعار في السوق الدولية وانعكاساتها على الأسعار في السوق الوطنية، وكذا بوضع استراتيجية وإطار قانوني مناسب للقطاع الغازي، وذلك بتنسيق مع الأطراف المعنية، قصد تطوير سوق للغاز الطبيعي شفاف وجاذب للاستثمارات.