تجاهل وزير العدل، عبد اللطيف وهبي توصيات الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها بخصوص الفصول التي تتناول التبليغ عن جرائم الفساد، حيث نجح في المصادقة على مشروع قانون المسطرة الجنائية بلجنة التشريع والعدل، في صيغة لا تتجاوب مع توصيات الهيئة ومواقف المعارضة.
وكانت هيئة بنعليلو، قد اعتبرت أن الحفاظ على حق جمعيات المجتمع المدني في الانتصاب كطرف مدني واجب معياري بمكانة متميزة في منظومة مكافحة الفساد وجرائم الأموال.
وحذرت الهيئة من إمكانية أن تحد التعديلات التي جاءت بها المادة 7 من إمكانيات انتصاب الجمعيات كطرف مدني أمام القضاء، وأن تمس بمكانة هيئات المجتمع المدني الجادة، سواء من جانب مكانتها الدستورية ، أو من جانب المقتضيات القانونية ذات الصلة بالحريات العامة.
وترمي المادة 7 إلى اشتراط حصول الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة على إذن بالتقاضي من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل من أجل انتصابها كطرف مدني.
وترى الهيئة أن التراجع عن صيغة النص الحالي للمادة 7 لا يستند على مبررات قوية داعمة له، بل ربما يشكل مجرد استنساخ مجتزأ لمقتضى قانوني مقارن، أمام كون قانون المسطرة الجنائية الحالي يشترط لقبول انتصاب الجمعيات بشكل عام كطرف مدني الاعتراف لها بصفة المنفعة العامة.
وتعتبر أن هذا المقتضى الذي تشبث به وهبي في مداخلته بلجنة التشريع والعدل، سيشكل تضييقا غير مستساغ على حق الجمعيات الجادة في الانتصاب كطرف مدني، مرجعة ذلك إلى اعتبار أن الإذن المطلوب قد يخضع لتقديرات غير قضائية يتولاها جهاز تنفيذي.
ودعا بنعليلو في مداخلته باجتماع لجنة التشريع والعدل، إلى إعطاء دينامية خاصة لآليات التبليغ والكشف عن جرائم الفساد ومتابعة مرتكبيها، معتبرا أن الحفاظ على سلطة النيابة العامة في إجراء الأبحاث وتحريك المتابعة في جرائم الفساد أمر جوهري في دينامية محاربة الفساد.
بنعليلو شدد على أن صيغة التعديل التي وردت بها المادة 3 تشكل تضييقا على مبتغى محاربة الفساد، بل وفيه إقرار غير مبرر لتقييد مزدوج لصلاحيات النيابة العامة لفائدة تقديرات إدارية تستند إلى وجهات نظر تقنية/ تدبيرية أكثر منها جنائية.
وتحصر المادة 3 نطاق إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في الجرائم الماسة بالمال العام، في الطلب المقدم من طرف “الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها وإحالة كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك”.
ويشكل هذا المقتضى، بحسب الهيئة، مسا واضحا بالهدف من توسيع مفهوم المبلِّغ وحمايته ليشمل، بالإضافة إلى الشاهد والضحية والخبير الذين يعتبرون أطرافا في الدعوى العمومية، الشخصَ الذاتي أو المعنوي؛ سواء كان موظفا عموميا أو مستخدما بالقطاع الخاص أو شخصا عاديا، وسواء كان هيئة مجتمعية أو منظمة غير حكومية أو هيئة مهنية أو شركة، ما دام التبليغ لن يصبح له أي أهمية في ظل القيود المفروضة على النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية.
وخلف إصرار وهبي على الإبقاء على المادة موجة غضب في صفوف نواب المعارضة، وحماة المال العام، الذين اعتبروا أن الإبقاء على هذه المادة في صيغتها الحالية، يشكل تراجعا لا يخدم المصلحة العامة، بل قد يشجع ناهبي المال العام.