بقلم: عمر لبشيريت
ماذا يحدث للسيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي عزالدين ميداوي؟
في 24 يوليوز الماضي، عقد الوزير اجتماعاً مع المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي. استمر اللقاء من الثالثة إلى التاسعة مساءً في أجواء مشجعة، إن لم أقل حماسية حسب الأصداء التي وصلتنا، وأبدى فيه الوزير والنقابة روحاً عالية من المسؤولية والتعاون. وقد اتُّفق على العمل المشترك لتهيئة الدخول الجامعي وإشراك النقابة في مختلف المبادرات المرتبطة بإصلاح التعليم العالي.
خرج الجميع مطمئنين ومتفائلين بروح التعاون التي سادت اللقاء، ثم انصرفوا لقضاء عطلة الصيف.
لكن بعد أسبوع فقط، أحالت الأمانة العامة للحكومة على الوزراء مشروع القانون رقم 59.24 المتعلق بالتعليم العالي، ليناقَش لاحقاً في المجلس الحكومي المنعقد يوم 25 غشت ويُصادَق عليه.
ماذا يعني هذا؟ لقد غدر الوزير بالنقابة التي تمثّل أساتذة التعليم العالي، واستخف بها.
كيف سمح لنفسه بالاجتماع مع النقابة وطمأنتها والتعهد أمامها بالتشاور حول أي مشروع لإصلاح منظومة التعليم العالي، بينما كان قد أودع “مشروعه” بشكل منفرد وسري لدى الأمانة العامة للحكومة بدون تشاور مع شركائه الاجتماعيين؟ ثم ذهب بعد ذلك إلى المجلس الحكومي لتمريره، في عز الصيف، بينما كان ممثلو الأساتذة مطمئنين إلى جدّيته؟
إنها قمة اللامسؤولية والاستهتار. أن تنوِّم شركاءك في الحوار وتستغل ثقتهم فيك، فهذا احتقار واستصغار لا علاقة له لا بالتدبير السياسي الحكيم ولا بخدمة مرفق حيوي للتكوين والبحث العلمي.
ردُّ فعل أساتذة التعليم العالي جاء غاضباً، بعد أن اكتشفوا أن الوزير نكث وعوده وضرب ميثاق الثقة عرض الحائط. وقد أعلنت النقابة رفضها التام لانفراد الوزير بوضع مشروعه وطالبت بسحبه. وهكذا يُدشَّن الدخول الجامعي بتوتر غير مسبوق، مع إضراب إنذاري تصعيدي يوم الأربعاء 17 شتنبر، ومقاطعة مجالس الجامعات وعدم انخراط شعب الإجازة والماستر في أي إصلاح بيداغوجي جديد. يضاف إلى ذلك إضراب موظفي التعليم العالي والأحياء الجامعية يوم 11 شتنبر، وإضراب آخر لثلاثة أيام (16 و17 و18 شتنبر)، ثم إضراب ثالث أيام 30 شتنبر و1 و2 أكتوبر.
ما فعله الوزير أشبه بمن يطلق النار على قدميه؛ فقد خلق لنفسه مشكلاً لم يجبره عليه أحد، وقرر بمحض إرادته إدخال الجامعة المغربية في دوامة التوتر والغليان، مضيفاً عبئاً جديداً على الحكومة.
والأدهى، ، وكأن الوزير يحب السخرية والمشاهد السوريالية، أنه بعد أن انفرد بوضع كل شيء، دعا النقابة إلى الاجتماع، ثم حث عمداء ورؤساء الجامعات على تنظيم أيام دراسية لمناقشة مشروع القانون رقم 59.24.
بالله عليك، يا سيادة الوزير، كيف تقلب المنطق رأساً على عقب؟ تنفرد بإعداد المشروع وتدفع الحكومة إلى المصادقة عليه، ثم تدعو النقابة والأساتذة لاحقاً لإبداء الرأي فيه! منطق ميداوي يسير على رأسه.
المفارقة أن هذا الوزير نفسه نودي عليه في أكتوبر الماضي لإنقاذ كارثة وطنية خلفها سلفه عبد اللطيف الميراوي، الذي تسبب في سنة بيضاء لطلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان. نجح ميداوي آنذاك في معالجة الأزمة وأعاد الطلبة إلى مدرجاتهم، فاستبشر الجميع خيراً بالوزير الجديد. لكنه في أول ملف حقيقي يواجهه استنسخ أسلوب سلفه وأصر على أن تكون له أيضاً “سنته البيضاء”، فيدخل الجامعة المغربية في أزمة جديدة، وكأنه يقول لسلفه: «أعرف العلم أكثر منك، وسأزيد فيه».
يبدو أن “فيروس” حكومة أخنوش أصاب وزير التعليم العالي، فحذا حذو زملائه. فعلى غرار وزير العدل ووزير الثقافة، تتصرف هذه الحكومة مطمئنة إلى أغلبيتها التي تقبل كل شيء ولا تمانع في المصادقة حتى على حل الحكومة نفسها.
فهذا وزير العدل يستفرد بالتشريع، وأسقطت المحكمة الدستورية مشروعه الخاص بالمسطرة المدنية. ولولا ألطاف عناية رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين وتقاعس المعارضة، لتم، أيضا، إسقاط القانون الجنائي. وذاك وزير الثقافة والإعلام، أقصى الجميع إلا المقربين منه ووضع مشروع قانون مجلس الصحافة على مقاس أصدقائه و”شلته”. وها هو وزير التعليم العالي يجتمع مع الناس نهاراً ويوهمهم بالوثوق به، ثم يدبّر أمره ليلاً ومن وراء ظهورهم.
ومع ذلك، يصف رئيس الحكومة كل هذا بأنه مدعاة للفرح. ويرى المغاربة فرحين في الجبال والسهول وتحت الخيام وبدون عيد..اللهم ارزقنا نظاراته حتى نرى، مثلما يرى، هذه المشاهد التي تبدو له باعثة على الفرح.

