على إثر الجدل الكبير الذي أثاره مؤخرا أحد باعة سمك السردين بمراكش، الذي يعرض الكيلوغرام الواحد بثمن 5 دراهم، خلافا للأسعار المرتفعة التي يتم بها تسويق السردين في باقي الأسواق ولدى التجار، وبعد أن حصل موقع “سفيركم” على وثيقة صادرة عن مصالح ميناء أكادير تثبت أن ثمن بيع الكيلوغرام الواحد في الميناء لا يتعدى 3.016 دراهم، تزداد التساؤلات حول هذا الفارق الكبير في الأسعار.
نستمر في تتبع خيوط هذا الملف وكيف يتم الرفع من أثمنة سمك السردين وباقي الأنواع الأخرى من الأسماك، بعد أن تجتاز مرحلة البيع الأول في الميناء بأثمان متاحة ومنخفضة جدا، مقارنة بما هي عليه في الأسواق الخارجية الموجهة للعموم.
وحصل موقع “سفيركم” على تسجيلات صوتية يشتكي فيها البحارة والمهنيون من مجموعة من الممارسات التي تؤثر سلبا على القطاع، وتؤدي إلى الرفع المبالغ فيه من أثمنة السردين، من قبيل شراء حمولات بعض المراكب بأثمان كبيرة وخارج المساطر والدلالة في الميناء، حيث يتم تقديم مبالغ تناهز 100 مليون سنتيم وأكثر، لتخصيص حمولات المراكب لأفراد معينين.
وإضافة إلى ذلك، تحدثت بعض التسجيلات عن إقدام بعض أصحاب المصانع ومعامل التصبير وبعض التجار على فرض ملء صناديقهم من طرف بواخر معينة دون غيرها، مع تسجيل أسعار أقل على الأوراق، بينما يتم دفع مبالغ أكبر من المسجلة في وثائق الميناء، بهدف التهرب الضريبي، ما يضيع على الدولة مداخيل ضريبية كبيرة ويضرب قانون المنافسة.
وفي هذا السياق، قال عبد المالك بنار، رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعيات حماية المستهلك، في تصريح لـ”سفيركم”، إن مسالك تسويق الأسماك الطرية تعرف فوضى عارمة تخرج عن نطاق سيطرة الرقابة، مشيرا إلى أن هناك مجموعة من الوسطاء أو (البرڭازة بلغة المهنيين) يسيطرون على تسويق السردين ويرفعون الأسعار من خلال تعاملاتهم التي تزيد من 200% إلى 400%.
وأوضح بنار أن كثرة الوسطاء تؤدي إلى غلاء أسعار التسويق للعموم، خاصة أن أغلبهم لا ينتمون إلى المهنة، وغير مسجلين في جدول الضرائب ولا يؤدون أي مستحقات، بل لا يتوفرون حتى على رأسمال تجاري، وقد يصل عددهم إلى أربعة أو خمسة حسب المنتوج، خاصة السردين، وكل وسيط يبحث عن أرباح لا تقل عن درهمين، ما يؤدي إلى تضخم السعر النهائي للمستهلك.
وكشف المتحدث عن وجه آخر من التحايل على مصالح مكتب الموانئ، يتمثل في الاتفاقات الضمنية بين أصحاب البواخر والباعة بالجملة، حيث يُلزَم أرباب المراكب بملء صناديق خاصة، ما يضرب مبدأ المنافسة الشريفة.
كما يتم الاتفاق بين الباعة على تحديد أسعار رسمية منخفضة (درهمين أو ثلاثة)، في حين تُدفع مبالغ أكبر خارج الوثائق الرسمية، بهدف تخفيض قيمة الضرائب المؤداة، إضافة إلى التهريب الممنهج للأسماك.
وأشار بنار إلى غياب الفواتير بين المجهزين وأرباب البواخر، وهي الوثائق التي تنظم العلاقة التجارية بين المهنيين، بالإضافة إلى التصريح بأحجام وأنواع مخالفة للأسماك المصطادة، والتغاضي عن صيد وبيع بعض الأنواع المحظورة التي قد تضر بالمستهلك.
ودعا رئيس فيدرالية جمعيات حماية المستهلكين في المغرب إلى تقوية عمل مراقبي الأسعار وضباط الشرطة القضائية، نظرا لقلة عددهم وعدم تناسبه مع حجم المعاملات التجارية التي تتم في الموانئ.
كما أكد أن تتبع مسالك تسويق الأسماك ليس من صلاحيات مصالح مكتب الصيد أو وزارة الصيد، بل هو من اختصاص مجلس المنافسة.
وشدد على ضرورة تطبيق مقتضيات القانون 104.12، خاصة الفصول المتعلقة بحرية الأسعار والحد من الأعمال المقيدة للمنافسة، مع إلزامية الإدلاء بالفواتير بين المهنيين، وفرض تقديم الفواتير من طرف الوسطاء غير المقيدين في الجدول الضريبي، ومحاربة الادخار السري والتلاعب بالأسعار.