يقال إن الحياة بين الأخذ والعطاء، وقصة اليوم لبطل أعطى للفن كثيرا، ولم يجن سوى حب المغاربة الذين يعرفونه بـ “با عزيزي”، وصورة لطالما ارتبطت بإعداد الشاي في الاحتفالات الرسمية والوطنية.
وكأي قصة مهما كانت مميزة، وصلت حياة با عزيزي أو بوجمعة أوجود إلى نهايتها، يوم أمس الأربعاء، لكن الموت لن ينسي المغاربة من دخل قلوبهم بعفويته وشخصيته التي تشبه مغاربة آخرين.
ولننسى الموت قليلا ونعد إلى حياته، وكيف بدأت قصة حبه للفن، بوجمعة أوجود ولد في سنة 1940 بمدينة الدار البيضاء، وبالضبط في درب بن حمان بالمدينة القديمة، وهو ينحدر من عائلة قادمة من حاحا الواقعة نواحي مدينة الصويرة.
وغادر با عزيزي مقاعد الدراسة في سن جد مبكرة، ليجد نفسه في سن 14 سنة منخرطا في مجموعة من الفرق المسرحية، التي كان يجسد فيها دور الخادم، وهكذا بدأ حب الفن يتوغل في أعماقه.
وحين تذوق حلاوة الوقوف على الخشبة، تشبث أكثر بحبه، ليشق طريقا جعله في أحد الأيام يقدم مسرحيات أمام الملك الراحل محمد الخامس، فاشتغل إلى جانب عمالقة المسرح المغربي، مثل البشير لعلج وبوشعيب البيضاوي وعبد الرحمان الصويري.
وقدم الراحل مجموعة من المسرحيات مع البشير لعلج، الذي يختزن تاريخه أزيد من 360 مسرحية أثثت الخزانة الفنية المغربية، وقدم إلى جانبه مجموعة من العروض الفنية، التي نالت إعجاب الجمهور المغربي، كما اشتغل في بداياته في مجال التمثيل الإذاعي، الذي كان يتقاضى مقابله 15 درهم، وفق ما أوردته بعض المنابر الإعلامية.
وبدأ الجمهور المغربي آنذاك بالتعرف عليه من خلال التمثيل الإذاعي والمسرحيات التي كان يجسدها، ليحقق في ستينيات القرن الماضي شهرة واسعة، أهلته ليلعب أدوارا كوميدية في القصر الملكي أمام الملك الراحل محمد الخامس.
وشارك بوجمعة أوجود في مسرحية “الحاج مسبق راسو” بالقصر الملكي، والتي تم عرضها بحضور الملك الراحل محمد الخامس في بداية سنة 1960، جسد فيها دورا مخالفا للأدوار التي دأب على تشخيصها، حيث لعب دور العروس، كما نال شرف تأدية مسرحية أخرى لكن هذه المرة أمام الملك الراحل الحسن الثاني في قصره الصيفي بمدينة إفران، وهي المناسبة التي طلب فيها الملك منه إضافة “با” على لقبه الفني “عزيزي” .
ومسار بوجمعة أوجود لا يطبعه الفن فقط، بل حتى الوطنية التي تبدو واضحة من خلال مشاركته في المسيرة الخضراء في سنة 1975، حيث أنه بعد عودته منها رفقة مشاركين آخرين، حظي باستقبال في عمالة الدار البيضاء، وهناك حيث عرض عليه شغل منصب “مقدم” الحي” الذي اشتغل فيه لمدة ليست بالطويلة، ليقرر أن يستقيل من منصبه.
وحين سئل عن سبب استقالته قال: “لا يمكنني أن أقوم بتوزيع الشهادات الإدارية في الصباح وأمثل في المسرحيات في المساء، أريد أن تبقى صورة الفنان حاضرة في قلوب المغاربة لا صورة المقدم”.
وعن قصة ارتباطه بتقديم الشاي، كان الراحل “با عزيزي”، قد أكد في خرجات إعلامية سابقة، على أن هذه القصة بدأت حين شارك في مسرحية وهو يرتدي الزي المغربي ويصب الشاي، وشاءت الصدفة أن يكون أحد المسؤولين بين الحضور، الذي راسل إحدى شركات الشاي، التي تواصلت بدورها مع “با عزيزي” من أجل أن يقدم إشهارا باسم علامتها التجارية، لتتوالى عليه العروض من شركات سياحية ومؤسسات مرموقة كالخطوط الملكية للطيران.
وفي السنوات الأخيرة، عانى بوجمعة أوجود من مجموعة من المشاكل الصحية بسبب المرض والتقدم في السن، حيث أنه كان كثيرا ما يدخل المستشفى بين الفينة والأخرى، ليتفاجأ الجمهور، يوم أمس الأربعاء، بخبر موته، الذي أعاد إلى الأذهان مسار هذا الرجل وعفويته وحسه الكوميدي وروحه المغربية الأصيلة التي دخلت قلوب المغاربة دون استئذان.
تعليقات( 0 )