دعا المحلل الاقتصادي والأستاذ الباحث في قانون الأعمال والاقتصاد بكلية العلوم القانونية والاقتصادية بالمحمدية، بدر زاهر الأزرق، الحكومة المغربية إلى نهج أسلوب “التريث” في التفاعل مع الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على المغرب، موضحا أن تأثير هذا القرار على الصادرات المغربية المباشرة محدود، لكونها موجهة بالأساس إلى الاتحاد الأوروبي، وأن التأثيرات غير المباشرة ستكون أكثر حدة على المغرب.
وتقاسم المحلل الاقتصادي، بدر زاهر الأزرق، في حوار أجراه معه موقع “سفيركم” الإلكتروني، قراءته حول مدى تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصادرات المغربية، وأسباب ضعف استفادة المملكة من اتفاقية التبادل الحر، مرورا بطبيعة الصناعات المغربية وارتباطها بالمعايير الأوروبية بدل الأمريكية، كما تطرق أيضا إلى حجم التأثير المباشر وغير المباشر للرسوم الجديدة على المبادلات التجارية، ناهيك عن الخيارات المتاحة أمام الحكومة المغربية على المدى القريب للتعامل مع هذا الوضع، وكذا الإجراءات الاستباقية الواجب اتخاذها في مواجهة التضخم أو الكساد المحتمل.
وهذا نص الحوار الذي أجراه موقع سفيركم الإلكتروني مع الدكتور والمحلل الاقتصادي بدر زاهر الأزرق:
هل تؤثر الرسوم الجمركية المفروضة من قبل ترامب على الصادرات المغربية؟
أول شيء يجب أن نأخذ بين الاعتبار بأنه مع تفاقية التبادل الحر التي كانت تعفي المغرب من الرسوم الجمركية كان الميزان التجاري بين المغرب وأمريكا لصالح الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة تتجاوز 90%، ومع هذه النسبة الجديدة التي يعدها بعض المحللين تفضيلية، لا أعتقد أنها سوف تؤثر بشكل كبير على الصادرات المغربية، اللهم إن استطاعت المملكة المغربية استقطاب استثمارات من الصين أو من أوروبا رغبة في الاستفادة من هذه العتبة وتحويل صادراتهم نحو الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هذا الأمر لا أعتقد أنه سيحدث لأن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل اليوم على حصار الاستثمارات الصينية إلى موجوداتها وبالتالي لن تقبل بإعادة توطين الصادرات الصينية في المغرب وتوجيهها نحو أمريكا.
هل يُمكن تفسير أن التأثير “الطفيف” المرتقب لرسوم ترامب على المغرب بكون صناعته تعتمد أساسا على الاتحاد الأوروبي؟
طبيعة المواد المصدرة من المغرب وطبيعة صناعاته تستجيب للأسف لمعايير أوروبية بالأساس، لأن نسبة 70٪ من الاقتصاد المغربي اليوم مرتبط بالاتحاد الأوروبي وبعقلية المستهلك الأوروبي، وليس بالمستهلك الأمريكي وبعقليته، وبالتالي إن أردنا أن نتجاوز هذا المعطى ونعزز هذه المبادلات ونستغل هذه الإطارات التفضيلية، يجب أن نعمل على دعم القطاع الخاص وتوجيهه لمخاطبة عقلية المستهلك الأمريكي بمنتوجات تستجيب لتطلعاته وكذلك لمعاييره.
ما حجم التأثير المتوقع للرسوم الجمركية الجديدة على المبادلات التجارية المغربية الأمريكية؟
يجب النظر إلى هذا التأثير من مستويين، أولهما هو 10% على معاملات تجارية لا تتجاوز 6 مليار دولار، وتمثل 3% من المبادلات التجارية الخارجية، فهذا التأثير سيكون محدودا جدا إن أردنا أن نرى فقط الإسقاطات المباشرة، وبالنسبة للإسقاطات غير المباشرة، فالمغرب مرتبط بأوروبا ويحاول استقطاب استثمارات صينية، ويعمل تقريبا منذ 20 سنة على محاولة توطين صناعة السيارات والصناعات التكنولوجية، أظن بأن الارتباك الذي يحصل اليوم على مستوى الاقتصاد العالمي وخطوط الإنتاج ومستوى التدفقات الاستثمارية، سيأتي بمشكل كبير على التدفقات، حيث كانت هناك مشاريع لتوطين صناعة السيارات تسلا وصناعة السيارات الصينية في المغرب، هل هذه المشاريع سوف تستمر أم لا في ظل سعي الرئيس ترامب إلى إعادة توطين صناعة السيارات الأمريكية خاصة داخل التراب الأمريكي؟، وهل ستبقى صناعة السيارات الكلاسيكية اليوم مع عمالقة صناعة السيارات الفرنسيين بنفس الزخم وبنفس القوة في ظل اضطرابات الأسواق وتوقعات الدخول في مرحلة كساد؟.
هل هذا يعني أن المغرب سيتأثر أكثر من الإسقاطات غير المباشرة في ظل قرار ترامب؟
فعلا، الإسقاطات غير المباشرة ستكون أكثر تأثيرا وأكثر حدة على المغرب، وحتى في حالة اضطراب الأسواق الدولية أو ارتفاع أسعار المواد في السوق الدولية، قد يتأثر الاقتصاد المغربي شيئا ما، ويعيد إلى الأذهان السيناريوهات المرتبطة بالتضخم، ولكن إلى حدود الساعة أعتقد أن هناك أشياء إيجابية أيضا، مثلا: انخفاض أسعار المحروقات إلى ما دون 6 دولار، وهو أمر يصب في صالح المملكة المغربية بشكل كبير لأن الكل يعلم أننا نستورد تقريبا 100% من استهلاك البترول، وتقريبا 99% من استهلاك الغاز، وهذا شيء جيد بالنسبة للمملكة على الأقل في المرحلة الآنية.
في نظرك، ما هي الطريقة المثلى التي يجب أن تتعامل بها الحكومة المغربية مع هذه الرسوم الجمركية الإضافية؟
يجب على الحكومة في الوقت الحالي أن تتريث فقط، فنسبة 10% ليست بالنسبة التي ستدفع المغرب إلى المطالبة بمراجعة اتفاقية التبادل الحر، خاصة وأن التوقعات اليوم تتجه إلى أن ترامب اعتمد هذه الآلية فقط من أجل الضغط على الشركات الأمريكية لدفعها إلى الاستثمار في التراب الأمريكي، والضغط على الدول من أجل دفعهم إلى التفاوض بشكل فردي مع الولايات المتحدة الأمريكية على نسب رسوم منصفة حسب ما يقول الرئيس ترامب للولايات المتحدة الأمريكية.
إذن إلى حدود الساعة، أعتقد أنه من الأفضل أن تتريث الحكومة المغربية، في انتظار على الأقل في الأيام القليلة المقبلة، وتحاول في نفس الوقت الاستفادة من هذا الوضع خاصة على مستوى المحروقات، وتوقع مجموعة من العقود الآجلة بأسعار تفضيلية بالنسبة للمملكة المغربية، كما أن تراجع سعر الذهب يمكن أن يشجع كذلك على اقتنائه واللجوء إليه كملاذ آمن.
في رأيك، ما هي الخطوات الاستباقية التي ينبغي اتخاذها لمواجهة أي كساد أو تضخم محتمل؟
يجب أن تبقى الحكومة حذرة على مستوى التأثيرات المستقبلية المرتبطة بالكساد والتضخم المرتقب، هذا طبعا في حال استمر ترامب في قراراته، أما إذا لم يستمر فيها ستكون آنذاك قراءات أخرى، لكن عموما على المملكة المغربية والحكومة أن تسعى جاهدة إلى تنويع شركائها بشكل كبير، ولا تبقى فقط رهينة بالاتحاد الأوروبي، وأن تستغل بشكل أكبر الإطار التجاري الخارجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، الذي كان محكوما في السابق باتفاقية التبادل الحر، والذي تحكمه اليوم عتبة 10% بالنسبة لباقي المنتجات المغربية. ويبقى السؤال المطرح اليوم هو: لماذا لم يستغل المغرب تقريبا 20 سنة على توقيع هذه الاتفاقية في تطوير مبادلاته التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية، هذا السؤال يجب أن يطرح لأن الميزان التجاري لدينا مختل مع الولايات المتحدة الأمريكية، فلم نستغل هذه الفرصة، واليوم هذه مناسبة لكي نخفض قليلا ارتباطنا بالاتحاد الأوروبي، ونرفع من نسبة المبادلات التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية.