تشكل العمالة السورية نسبة مهمة بدول الاتحاد الأوروبي، بعد أن لجأ الآلاف من السوريين وعائلاتهم إلى البلدان الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا والسويد، طالبين اللجوء الإنساني، بعد بداية الثورة السورية في 2011، وشكلت هذه الفئة منذ ذلك الحين إلى الآن يدا عاملة مهمة خاصة في قطاعات الصحة والنقل والخدمات.
وبدأت دول أوروبية، بعد سقوط نظام الأسد، تحذر من الفراغ الذي سيخلقه عودة السوريين إلى وطنهم، ما خلق لها مخاوف حول إشكالية نقص اليد العاملة مستقبلا، ما جعل المراقبين يطرحون سؤال في ذات السياق، مفاده إمكانية سد اليد العاملة المغربية التي تتميز بكفاءتها هذا الفراغ.
وأبرز المحلل الاقتصادي علي الغنبوري في تصريح لجريدة “سفيركم ” جوابا على التساؤل، قائلا “إنه لا شك أن المغرب يملك يدا عاملة تمتاز بالكفاءة والخبرة، خاصة في قطاعات متعددة ، إضافة إلى ذلك، يشكل القرب الجغرافي والتاريخ المشترك مع أوروبا عوامل مغرية تجعل المغاربة شريكا مثاليا في ملء هذا الفراغ”.
وأشار الغنبوري إلى برامج الهجرة الموسمية التي سبق أن وقعت بين المغرب ودول مثل إسبانيا تؤكد هذا الاحتمال، لكنها “تثير في الوقت ذاته مخاوف استراتيجية عميقة على المغرب”.
وتابع علي الغنبوري على أن الفراغ الذي سيتركه السوريون في أوروبا لا يقتصر فقط على العمالة العادية، بل يمتد إلى الكفاءات العالية مثل الأطباء والمهندسين والخبراء في مجالات متقدمة، وهو ما يشكل خطرا استراتيجيا كبيرا على المغرب الذي يعاني أصلا من خصاص واضح في هذه الفئات المهنية، مؤكدا على أن تصدير مثل هذه الكفاءات إلى الخارج قد يزيد من تعميق هذا الخصاص، ويؤثر سلبا على الجهود الوطنية لتعزيز البنية التحتية الصحية والتعليمية والاقتصادية.
ومن جهة أخرى، يرى الغنبوري أن الهجرة المغربية إلى أوروبا، إذا ما أُديرت بشكل استراتيجي، يمكن أن تكون فرصة لتحسين جودة اليد العاملة المغربية من خلال اكتساب المهارات والخبرات في أسواق العمل المتقدمة، غير أن هذه الفائدة قد تصبح محدودة إذا لم ترافق بسياسات تحفيزية لعودة المهاجرين إلى المغرب بعد فترة عملهم، وتوظيف خبراتهم المكتسبة في تطوير القطاعات الوطنية.
وواصل مدير البرامج بمرصد العمل الحكومي، مبرزا أن المنافسة الإقليمية والدولية على الكفاءات قد تجعل من الصعب على المغرب الحفاظ على طاقاته البشرية في ظل عروض مغرية من دول أوروبية تسعى لسد حاجاتها الملحة.
وأوضح بأن هذا الوضع يدعو إلى “اتخاذ تدابير عاجلة على المستويين السياسي والاقتصادي، عبر تعزيز جاذبية سوق العمل المغربي، وإيجاد حلول مبتكرة لتقليص هجرة الكفاءات، مثل تحسين ظروف العمل، وتطوير أنظمة التدريب، وتوسيع فرص التوظيف محليا”.
وختم الغنبوري تصريحه لـ”سفيركم” قائلا :”على الرغم من الفرص التي تتيحها هذه الدينامية الجديدة، إلا أن المغرب يواجه تحديا مزدوجا، تلبية الطلب الأوروبي المتزايد على العمالة والكفاءات من جهة، والحفاظ على استقراره التنموي وتأمين حاجياته الوطنية من جهة أخرى” مضيفا أن الأمر يتطلب رؤية استراتيجية شاملة تجمع بين تعزيز التعاون مع أوروبا، وتنفيذ سياسات وطنية قوية لضمان عدم استنزاف موارده البشرية الحيوية.