بعد صدور إحصاء 2024.. تساؤلات حول غياب أرقام “الجهة 13” الخاصة بمغاربة العالم

أعلنت المندوبية السامية للتخطيط عن نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لعام 2024، الذي كشف عن وصول عدد سكان المغرب إلى نحو 37 مليون نسمة. وبينما يأتي هذا الإعلان ليقدم صورة شاملة للتركيبة السكانية داخل المملكة، فإنه يعيد إلى الواجهة تساؤلات حادة حول “السكان المفقودين” في الإحصاءات الرسمية، وتحديداً ما يعرف بساكنة الجهة “رقم 13″، وهي الجالية المغربية المقيمة بالخارج.

وتشير آخر التقديرات الرسمية المنشورة بهذا الخصوص، والصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لعام 2022 إلى أن عدد المغاربة المقيمين بالخارج يتجاوز 5 ملايين نسمة؛ هؤلاء المغاربة، رغم بعدهم الجغرافي، يشكلون ركناً أساسياً في الاقتصاد الوطني من خلال تحويلات مالية وصلت إلى أكثر من 90 مليار درهم حتى شتنبر الماضي، مما يجعلهم شريكا حقيقيا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. 

ولكن على الرغم من هذه الأهمية، تبقى الجالية المغربية “الجهة غير المرئية” في الإحصاءات الوطنية، حيث لا تُجمع بيانات دقيقة حول أماكن إقامتهم، أو أوضاعهم الاجتماعية والمهنية، أو حتى تفاصيل عن إسهاماتهم الاقتصادية المباشرة.

ويعتمد التجاوب الفعلي مع احتياجات الجالية، إلى حد كبير، على دقة وشمولية المعلومات المتوفرة حولهم؛ ففي وقت يتم فيه نشر تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج شهرياً، تظل الأرقام حول أعدادهم وتفاصيلهم الشخصية والاجتماعية غائبة. 

ولا تقتصر هذه البيانات على تلبية الاحتياجات الاقتصادية فقط، بل تمتد لتشمل المساطر الإدارية والقضائية، حيث أشار الملك محمد السادس في خطابات عديدة إلى ضرورة تبسيطها ورقمنتها لتيسير التعاملات لأفراد الجالية.

ومع أن خطوة المندوبية السامية للتخطيط في تقديم إحصاء شامل لسكان المملكة، تعكس جانباً من التزام الدولة بالتنمية المستدامة، فإن ‘إغفال’ المؤسسات المعنية كمجلس الجالية وقطاع المغاربة المقيمين بالخارج في وزارة الشؤون الخارجية، إحصاءات دقيقة حول “الجهة رقم 13”، يضع تحدياً جديداً أمام هذه المؤسسات؛ فالاستجابة لخطاب الملك بضرورة توفير هيكل مؤسساتي فعّال يعتمد على توافر بيانات دقيقة وشاملة لهذه الشريحة، لضمان مشاركة فاعلة ودمج شامل في مسيرة التنمية الوطنية.

وترنو هذه الخطوات تعزيز دور الجالية في النسيج الوطني عبر بوابة الاستثمار، فعلى الرغم من مساهماتهم المالية، إلا أن مشاركتهم في الاستثمارات الوطنية لا تتعدى 10%، وهي نسبة تسعى المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج، التي أعلن الملك محمد السادس عن تأسيسها في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء،، إلى رفعها عبر خلق بيئة استثمارية جاذبة تستوعب الطموحات والقدرات المتنوعة لأبناء الجالية.

الخطاب الملكي، أعلن فيه الملك محمد السادس عن رؤية واضحة وشاملة لإعادة هيكلة المؤسسات التي تعنى بالجالية المغربية بالخارج، مؤكداً على أهمية تلبية احتياجات هذه الفئة الحيوية بشكل أكثر دقة وكفاءة، وتكريسها كقوة إيجابية تتماشى مع التحديات والمتغيرات الحالية. 

وشدد الملك على ضرورة إنشاء إطار مؤسساتي متكامل يقوم على هيئتين رئيستين، أولهما مجلس الجالية المغربية بالخارج، كمؤسسة دستورية مستقلة، ستعمل على رصد احتياجات الجالية وتطلعاتها، ويقدم مقترحات تعكس التنوع الموجود بين أفرادها؛ كما دعا الملك إلى التعجيل بإخراج القانون المنظم لهذا المجلس لضمان انطلاق عمله قريباً، مما يعكس التزاماً حقيقياً بتفعيل دور الجالية كمساهم أساسي في الرؤية الاستراتيجية للمملكة.

وتتمثل الثانية في المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج، إذ ستكون المؤسسة الجديدة الذراع التنفيذي للسياسة العمومية، حيث ستتولى تجميع الصلاحيات الحالية التي تتوزع بين العديد من الفاعلين، وتقوم بتنسيق الاستراتيجية الوطنية للمغاربة المقيمين بالخارج وتنفيذها، إلى جانب إدارة “الآلية الوطنية لتعبئة كفاءات المغاربة المقيمين بالخارج”. 

ويعد هذا التوجه خطوة مهمة نحو إشراك الخبرات المغربية في الخارج، ومواكبة أصحاب المشاريع والمبادرات بما يعزز مشاركتهم الفعلية في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للمملكة.

ويظل التحدي الأكبر هو استقطاب الكفاءات المغربية بالخارج وتوفير بيئة تشجعهم على المساهمة في بناء مستقبل المغرب، فالاستثمارات التي تسعى المملكة لجذبها ليست اقتصادية فقط، بل تشمل الخبرات المهنية والتجارب الدولية التي يمكن أن تسهم في تطوير قطاعات متنوعة مثل التعليم، والصحة، والتكنولوجيا.

ومن خلال إنشاء “الآلية الوطنية لتعبئة الكفاءات”، تكون المملكة قد وضعت حجر الأساس لجسر تواصلي يربط الطاقات المغربية في الخارج بوطنها الأم.

تعليقات( 0 )

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)