بحلول شهر ماي، تكون قد مرت أكثر من سنة ونصف على حراك واحة فكيك، المعروف بحراك الماء، والذي يُعد من أطول الحركات الشعبية خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ويتميز هذا الحراك بموضوعه الفريد، إذ نشأ بسبب قضية الماء، التي تُعد مسألة مصيرية لسكان المنطقة، إضافة إلى المشاركة النسائية الكبيرة التي ميزته.
وقد حظي هذا الحراك بمتابعة واسعة داخل المغرب وخارجه، لا سيما وأنه جاء بعد حراك الريف وتداعياته التي لا تزال مستمرة في المنطقة. ويرى بعض المتتبعين أن طريقة تعاطي السلطات مع هذا الحراك ومع نشطائه، تشبه إلى حد كبير ما حدث في حراك الريف، من حيث التضييق والاعتقالات، مما ينذر بتصاعد الوضع في ظل غياب مؤشرات لحل المشكلة التي تُعد أساس الحراك.
أصل حراك فكيك: قضية الماء
انطلق الحراك على إثر صدور القانون 83.21 المتعلق بالشركات الجهوية متعددة الخدمات، والذي بدأ تطبيقه من الجهة الشرقية. وقد صادقت أغلب الجماعات الترابية بالجهة على الانضمام للاتفاقية الخاصة بهذا القانون، باستثناء جماعة فكيك، التي صوّت مجلسها ضد الانضمام خلال دورة استثنائية يوم 26 أكتوبر 2023.
وبعد شد وجذب، وتدخل عامل الإقليم للضغط من أجل التصويت لصالح الاتفاقية، خرج السكان إلى الشارع مباشرة، للتنديد بما وصفوه بتدخل وزارة الداخلية ضد إرادتهم، ورفضهم لأي مساس بثروتهم المائية.
ومع استمرار الحراك، حدث تصدع داخل المجلس الجماعي، حيث استقال تسعة أعضاء بتاريخ 16 ماي 2024، بعد ضغوطات تعرضوا لها من طرف الرئيس والمكتب المسير للمجلس، لحثهم على التصويت لصالح الانضمام للاتفاقية، رغم المعارضة الواسعة من طرف السكان.
انتخابات جزئية واكتساح لفيدرالية اليسار.. ثم استقالة
بادرت وزارة الداخلية إلى إجراء انتخابات جزئية لملء المقاعد التسعة الشاغرة بالمجلس، من أجل استكمال النصاب القانوني اللازم للمصادقة على الاتفاقية. وقد تمحورت الحملة الانتخابية حول قضية الماء، إذ أصبح الموقف من تولي الشركة الجهوية الجديدة مسؤولية تدبير مياه الواحة المحدودة أساساً، هو ما يحدد خيارات التصويت.
نجح نشطاء الحراك في تعبئة السكان، وأسفرت الانتخابات، التي جرت يوم الثلاثاء 22 أبريل 2025، عن اكتساح مرشحي فيدرالية اليسار للمقاعد التسعة بنسبة 100%، في تعبير واضح عن موقف الساكنة الرافض للانضمام إلى الشركة الجهوية.
لكن، وبعد انعقاد عدة دورات للمجلس، اصطدم الأعضاء الجدد بتجاهل من طرف الرئيس وأعضائه الموالين له، ما دفعهم لتقديم استقالة جماعية، بعدما تم تمرير الاتفاقية دون مشاركتهم، ورغم معارضتهم الصريحة.
مشاركة نسائية لافتة
تميّز حراك الماء في واحة فكيك بمشاركة نسائية قوية ولافتة. فقد شهدت المسيرات والوقفات الاحتجاجية مشاركة واسعة من النساء، اللاتي تقدمن الصفوف بأشكال تعبيرية غير مسبوقة. وتُعد “مسيرة الحايك” من أبرز المحطات، حيث نظمت نساء الواحة يوم 27 يناير 2024، مسيرة بالحايك التقليدي، ما أضفى رمزية قوية على الحراك، وأثار انتباه الرأي العام الوطني والدولي.
واعتبر نشطاء الحراك، في تصريحات صحفية، أن هذه المشاركة الواسعة تعكس شعبية الحراك، وتدحض ما روّجته السلطات بشأن سيطرة “متشددين” عليه.
اعتقال نشطاء الحراك
أقدمت السلطات على استدعاء واعتقال الناشطين محمد إبراهيمي، المعروف بـ”موفو”، ورضوان المرزوقي، على خلفية احتجاجات السكان ضد تفويت قطاع الماء. وقد تم الاستماع إليهما، قبل وضعهما رهن الحراسة النظرية، بناء على شكاية تقدم بها أحد المستخدمين، يتهمهما فيها بعرقلة أداء مهامه.
وصدر حكم ابتدائي ضد محمد إبراهيمي بثلاثة أشهر حبسا نافذا، ثم استئنافيا بثمانية أشهر. كما حُكم على الناشطة زايد حليمة بستة أشهر موقوفة التنفيذ، وغرامة مالية قدرها 2000 درهم.
فاطمة التامني: “حراك نسائي ضد تسليع الماء“
صرّحت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار، فاطمة الزهراء التامني، بأن حراك فكيك الذي يتجاوز عمره السنة والنصف، تقوده نساء الواحة، لأنه يعبر عن مشروع جماعي، يقوم على وعي بأهمية الماء وضرورة تدبيره بشكل جماعي.
وأضافت أن ساكنة فكيك دأبت تاريخيًا على تدبير المياه بوسائلها الخاصة، وتملك بعض مصادر المياه، وتديرها بشكل تضامني، وهو ما جعل السكان يرفضون تسليم هذا القطاع الحساس لشركات جهوية.
وانتقدت التامني إصرار السلطات على تمرير الاتفاقية، وإقصاء المنتخبين الرافضين، معتبرة ذلك انتهاكًا للديمقراطية، وتساءلت عن جدوى الانتخابات إن لم تُحترم أصوات المواطنين.
كما نبهت إلى أن فكيك تعيش حالة تضييق مستمرة، من اعتقالات وتهديدات للنشطاء، مشيرة إلى إعادة اعتقال “موفو” رغم سجنه سابقًا.
وختمت بالقول إن الاحتجاج حق يكفله الدستور، ويجب على الدولة الاستجابة للمطالب بدل القمع، مؤكدة أن المقاربة الحالية تؤدي إلى تأزيم الوضع، لا إلى حله.
خديجة الرياضي: “النساء في قلب الحراك والمقاومة“
أشادت الحقوقية خديجة الرياضي بالدور البارز للمرأة في حراك واحة فكيك، مشيرة إلى أن هذه المشاركة تعكس وعيًا عميقًا من النساء، وارتباطًا وثيقًا بقضية الماء، التي لهن فيها دور أساسي بحكم مسؤولياتهن اليومية.
وأوضحت أن الواحة تتميز بثقافة جماعية في تدبير المياه، وهي ممارسة تضامنية عمرها عقود، تُوزع فيها المياه بحسب الحاجة، مما مكن السكان من الحفاظ على هذه المادة الحيوية رغم الجفاف.
وكشفت أن منظمة الأغذية والزراعة (FAO) اعتبرت نموذج فكيك من التجارب الرائدة في التدبير الإيكولوجي للماء، وهو ما يفسر مقاومة السكان لقرار تفويت القطاع.
وختمت الرياضي بالقول إن الحراك واجه محاولات متكررة لإفشاله، خاصة بعد الاعتقال الأول لـ”موفو”، لكن السكان صمدوا، رغم الضغوط المتزايدة، ومنع الشاحنات من استغلال مقالع الرمال، وغيرها من الإجراءات.