استيقظ المغرب، خلال الأيام القليلة الماضية، على وقع عدد من الكوارث المرتبطة بانهيار مبان سكنية أو فيضانات خلفت العديد من الخسائر في الأرواح والممتلكات، وفي هذا السياق، أكد عالي طوير، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن تكرار فواجع انهيار العمارات والمباني السكنية، يكشف أن سياسات التعمير المتبعة، وضمنها أشكال التخطيط والتدبير الحضريين استنفدت قدرتها على مواجهة ضخامة التحدي الذي تواجهه المملكة، وأضحى من اللازم إعادة النظر في مرتكزاتها وأدواتها وأبعادها البيئية.
وأوضح طوير، في تصريح خص به “سفيركم” أن المغرب مهدد بحدوث فيضانات فجائية لها وقع كبير على المنشآت السكنية والبنيات التحتية، وتخلف أحيانا ضحايا في الأرواح كالتي خلفتها فيضانات آسفي، وذلك بحكم موقعه الجغرافي ومناخه ذي الخصائص المتميزة خاصة التساقطات الرعدية المركزة خلال الفصل المطير وخارجه.
واعتبر المتحدث أن الوعي بذلك قد أصبح قائما كما يتجلى من بوادر التحول الذي بدأ يطرأ على التوجهات الجديدة في ميدان التعمير وقانون الماء الجديد 36.15، من خلال التأكيد على إدماج عنصر المخاطر البيئية ضمن السياسات العمومية التي تهم التعمير والتدبير الحضري.
وشدد على أن جهود حماية البيئة والمحافظة على تنمية مواردها اتخد في المغرب صورا شتى من التطبيق العملي، حيث انصرف جانب من هذه الجهود إلى “محاولة بلورة و صياغة القـواعد القانونية التي تأطر العمل الإداري في المجال البيئي، فتم صياغة العديد من التشريعات التي تكون في مجموعها ما يعرف بقانون البيئة كفرع جديد ومتميز من فروع القانون”.
وحول قوانين التعمير ودورها في الحد من خطر الفيضانات، أوضح طوير أن “النمو الديمغرافي للمغرب أدى إلى تنامي ظاهرة الهجرة القروية نحو المدن، بحيث واكبه انتشار التجزئات العشوائية والبناء غير القانوني، مما خلف واقعا عمرانيا مشوها أفرز مشاكل لا حصر لها على عدة مستويات، وأخل بشروط ومتطلبات التنمية العمرانية المتوازنة”.
واعتبر أن “ظاهرة الهجرة أدت إلى توسيع المدن بكل الاتجاهات وعلى حساب بعض الشعاب والأودية، “مما خلفت لنا مورفلوجية حضرية مشوهة وهشة في مجملها”.
ولمواجهة هذا الوضع، يضيف الدكتور في القانون الخاص، “كان لا مناص من إصدار قانون للحد من الأفعال المخلة بقانون التعمير والبناء، فقواعد التعمير لا يمكن أن تكون فعالة إلا إذا تمت حمايتها برقابة فعالة وتدابير زجرية لتفادي كل المخالفات قبل وقوعها، لأن إعداد وتنظيم قطاع التعمير بكامله يتم باحترام رخصة البناء والتجزئة الشيء الذي يساهم بشكل كبير في عملية تنمية وتنظيم المدينة”.
وسلط المتحدث الضوء على القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير، حيث قال أن “المشرع المغربي سن نصوصا تنظيمية تمت ملاءمتها مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها الحواضر المغربية، إلا أنه يمكن التساؤل إلى أي حد يمكن التطبيق الفعلي لهذا القانون في ظل تضارب الاختصاصات وغياب الرقابة والزجر في البناء؟”.
وعلى إثر ذلك، تطرق طوير إلى القانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، مشيرا إلى المادة السابعة منه، والتي تمنع القيام بتجزئة سكنية إذا كان العقار المراد تجزئته غير موصل بشبكات الصرف الصحي والطرق وتوزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء، معتبرا أن نمط السكن السري المتواجد على هوامش المدن، حيث انعدام قنوات التطهير، يخالف ذلك مما يشكل، حسب رأيه، خطرا كبيرا أثناء فترات الفيضان.
وحول صندوق محاربة الكوارث الطبيعية بالمغرب، أوضح الأستاذ الجامعي أنه عقب فيضانات 2014 التي شملت المناطق الجنوبية والوسطى للبلاد، تم إحداث هذا الصندوق من طرف وزارة الداخلية سنة 2016 في إطار اتفاقية بين الحكومة المغربية والبنك الدولي بقرض مالي قدره 200 مليون دولار، ومن بين أهداف هذا الصندوق تحقيق أكبر حماية ممكنة للأرواح والممتلكات وترشيد النفقات المخصصة لهذا النوع من التدبير.
وشدد على أن هذا الصندوق “عرف نقاشا كبيرا في البرلمان المغربي لعدم معرفة مآله وطريقة تدبيره وطبيعة تدخلاته الميدانية للتخفيف من خطر الفيضانات”، داعيا في الوقت ذاته إلى ضرورة تعزيز هذا الصندوق و دعمه بموارد مالية لتحقيق حكامة جيدة في مجال سياسات تدبير المخاطر الكبرى بالمغرب، والتي من بينها مخاطر الفيضانات.
ومن أجل مواجهة هذه الكوارث الطبيعية، اقترح طوير “منع البناء بالمحاذاة من الأودية واحترام الملك العام المائي والتطبيق الصارم لقوانين الماء والبيئة والتعمير وتفعيل دور شرطة الماء للمراقبة والتدخل بكل أحواض المغرب”، مع “تهيئة الأودية التي تشكل خطرا عبر إنجاز حواجز وقائية وكسر رتابة الصبيب وإنشاء منشآت فنية فوقها بمواصفات عالمية”.
حمزة غطوس

