في تطور لافت يعكس تحولا في مقاربة الرباط تجاه النشاطات المرتبطة بقضية الصحراء، بات المغرب أكثر صرامة في التعامل مع الوفود والناشطين الأجانب الذين يحاولون دخول الأقاليم الجنوبية تحت ذرائع “حقوقية”، بينما يحملون في الواقع أجندات سياسية داعمة لجبهة البوليساريو.
ويبدو أن المملكة المغربية، التي ظلت خلال السنوات الماضية تتعامل بمرونة نسبية مع زيارات بعض النشطاء والسياسيين الأوروبيين إلى الصحراء، قد قررت إغلاق هذا الباب بشكل حاسم، بعدما تحول إلى إحدى أوراق الضغط التي تعتمدها البوليساريو لإثارة الجدل حول الأوضاع في المنطقة والتشويش على السيادة المغربية.
فخلال الأسابيع الماضية، منعت السلطات المغربية دخول عدة وفود، كان أبرزها محاولة وفد من البرلمان الأوروبي دخول مدينة العيون بطريقة غير رسمية، بالإضافة إلى مجموعة من النشطاء الإسبان المعروفين بدعمهم للبوليساريو، وهو ما يؤشر على تحوّل في التعاطي مع هذه التحركات التي تُغلّف بخطاب “حقوق الإنسان”، بينما تهدف إلى الطعن في الشرعية الدولية لمغربية الصحراء.
ورغم أن الوفود الممنوعة تروج أنها جاءت لأغراض مراقبة حقوق الإنسان، إلا أن تصريحات أعضائها في ما بعد كشفت عن نوايا سياسية واضحة، كما حدث مع الوفد الإسباني الذي مُنع أمس السبت من دخول العيون، حيث صرح أحد أعضائه بأن الهدف كان أيضا “فضح استغلال الشركات الأوروبية للموارد الطبيعية في الصحراء”، وهو الخطاب ذاته الذي تروّج له البوليساريو في المحافل الدولية.
المغرب أوضح مرارا أن السيادة الوطنية على الأقاليم الجنوبية أمر غير قابل للنقاش، وأن أي دخول للمنطقة ينبغي أن يتم وفق القانون وبترخيص مسبق، وليس تحت غطاء بعثات حقوقية مشبوهة، حيث قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في وقت سابق إن “كل زيارة، كيفما كانت، يجب أن تحترم السيادة المغربية، وأي تجاوز سيتم التعامل معه وفق القانون الجاري به العمل”.
وبذلك، يبدو أن الرباط قد حسمت موقفها من محاولات توظيف ملف حقوق الإنسان كذريعة لتمرير خطابات انفصالية، ولم يعد مسموحا لأي جهة، مهما كانت، الدخول إلى الصحراء المغربية بمبررات إنسانية أو إعلامية، إذا لم تكن واضحة في نواياها ومحترِمة للسيادة الوطنية.
الخطوة المغربية تشير إلى نهاية مرحلة كانت البوليساريو تستغل فيها “الناشطين الدوليين” لخلق روايات موازية على الساحة الإعلامية والسياسية، مستفيدة من دعم بعض الأحزاب والجمعيات في أوروبا، خاصة مع اتساع رقعة الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، فإن الرباط تزداد تشددا في مواجهة أي محاولة لإعادة النقاش إلى المربع الأول.
بهذا التوجه، يُمكن القول إن المغرب لم يعد يكتفي بالرد السياسي أو القانوني، بل أصبح يعتمد أيضا سياسة “الوقاية المسبقة”، من خلال ضبط المنافذ ومنع أي اختراق محتمل يهدف إلى التشويش على صورته أو على مشروعه التنموي في الأقاليم الجنوبية.