اختار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لغة دبلوماسية هادئة خلال حديثه عن العلاقات المتوترة بين الجزائر وفرنسا، في حوار مع وسائل إعلام محلية يوم السبت الأخير، كاسرا بذلك نبرة التوتر التي طبعت الموقف الجزائري في الأشهر الأخيرة، ومعبّرا بشكل ضمني عن رغبة بلاده في تجنّب القطيعة الكاملة مع باريس.
ورغم أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو من أعلن رسميا دعم باريس لسيادة المغرب على الصحراء خلال الأشهر الماضية، وهو الملف الذي يمثل أحد أبرز مصادر التوتر في علاقات الجزائر بجيرانها وحلفائها، إلا أن تبون تجنب الإشارة إلى هذا الموضوع الحساس، واكتفى بالحديث عن “سوء تفاهم” و”أزمة يجب أن تُحل مع الرئيس ماكرون”، الذي اعتبره “المرجع الوحيد” في الدولة الفرنسية، ما يعكس رغبة واضحة في حصر الخلاف في إطاره السياسي وتجنّب التصعيد الإعلامي والدبلوماسي.
هذا الخطاب الناعم لا يبدو معزولا عن الحسابات السياسية والدبلوماسية الجزائرية، بل يعكس في جوهره مراجعة تكتيكية للأداء الذي أفضى إلى عزلة نسبية في ملفات مشابهة، وعلى رأسها الأزمة مع إسبانيا.
ففي تلك الحالة، قررت الجزائر في 2022 تجميد العلاقات الاقتصادية والسياسية مع مدريد احتجاجا على دعم رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، قبل أن تعود في 2024 لاستئناف العلاقات دون أن تحقق أي تراجع إسباني حقيقي، وهو ما اعتبره كثير من المراقبين “خسارة مجانية” للجزائر.
اليوم، يبدو أن تبون يسعى لتفادي الوقوع في الفخ نفسه مع باريس، التي تبقى، رغم كل الخلافات، شريكا اقتصاديا وثقافيا ودبلوماسيا أساسيا للجزائر، فضلا عن وزنها في معادلات الاتحاد الأوروبي وموقعها في التوازنات الإقليمية.
هذا التحول في لهجة الجزائر تجاه فرنسا يحمل رسائل متعددة: أولها أن الجزائر تدرك صعوبة خوض معارك دبلوماسية موازية على أكثر من جبهة، خاصة في ظل التقارب المغربي الأوروبي المتزايد، وثانيها أنها تسعى للحفاظ على قنوات التواصل مفتوحة مع باريس أملا في إعادة صياغة العلاقة على أسس جديدة، دون التخلي عن ثوابتها الاستراتيجية، وفي مقدمتها موقفها من قضية الصحراء.
وفي خلفية هذا المشهد، تلوح أيضا حسابات داخلية، وإن كانت تبدو مستبعدة، وتتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر، إذ لا يرغب أي رئيس الدخول في صراعات خارجية قد تترك آثارا اقتصادية ودبلوماسية لا تصبّ في مصلحة البلد.
وعليه، فحسب العديد من القراءات السياسية، فإن خرجة تبون الإعلامية الأخيرة لا تعني فقط محاولة لرأب الصدع مع باريس، بل تشكل أيضا مؤشرا على إعادة ضبط البوصلة الجزائرية في إدارة علاقاتها الإقليمية، وتفاديا لتكرار سيناريو الأزمة مع إسبانيا التي انتهت بعودة غير مشروطة للعلاقات، دون تحقيق مكاسب ملموسة.