كشفت هيئة مراجعة مدونة الأسرة، أمس الثلاثاء، عن المضامين الرئيسة المقترحة لتعديل المدونة، ليخرج بعدها العديد من المغاربة للحديث عن مضامين ما جاء بها، فمنهم من يرى أنها منصفة للمرأة بالدرجة الأولى ومنهم من يرى بأنها لم تعط للرجل أي حق واصفين إياها بـ”مدونة المرأة”.
وقال المحامي والحقوقي محمد ألمو في تصريح لـ”سفيركم”، بأن الانتقادات الموجهة لتعديلات مدونة الأسرة أمر طبيعي ومتوقع، إذ إن قضايا المرأة والأسرة والطفل والزواج بشكل عام دائما ما يتجاذبها فكرين، الأول فكر حقوقي تقدمي يهدف إلى تحقيق المساواة بين جميع أطراف العلاقة الأسرية، ويهدف إلى إلغاء القوانين “الرجعية” التي تضر بالمرأة ولا تحقق توازنا عادلا داخل الأسرة لأسباب معينة أو بناء على مرجعيات محددة، وبين “تيار متحفظ محافظ يتشبث بكل القيود المرجعية التي تعيق عملية تحقيق المساواة بين الجنسين، وهذا التيار يغلب عليه الفكر الذكوري المنتشر في المجتمع وهو الغالب من حيث الكم”،وفق تعبيره.
أما بخصوص تعديلات مدونة الأسرة، أفاد ألمو أن البعض منها كانت متوقعة، خصوصا عند ملاحظة وجود اختلالات في بعض القضايا بالمدونة السابقة، مثل الطلاق والتعدد والحضانة والنفقة وزواج القاصرات والإرث، خاصة في جزئه المتعلق بالتعصيب والأموال التي تنشأ أثناء الحياة الزوجية، وهي القضايا التي تم التسطير عليها بالأحمر أثناء تطبيق المدونة السابقة.
وتابع المحامي بهيئة الرباط، بأن تعديل المدونة لا يمكن أن يتم إلا وفق المسار الحقوقي الذي يسير فيه المغرب بخطوات جدية، فلا يمكن مثلا أن نتراجع عن اتفاقيات سيداو أو مبدأ المساواة والذي يعتبر مبدأ دستوريا ولا يمكن التراجع عن التزاماتنا الدولية تجاه تحقيق المساواة بين الجنسين.
ولذلك، أضاف الحقوقي بأنه تم استحضار هذه الالتزامات الحقوقية وقراءة المتن الفقهي قراءة متجددة تتناسب مع حاجيات المجتمع الحالية، وهو ما أسفر عن نتائج تُظهر تجاوبا مع المطالب الحقوقية، مع بعض التغييرات التي تمثل بديلا عن الوضع التشريعي السابق.
ويرى ألمو بأن هذه الالتزامات الحقوقية، بالإضافة إلى اعتماد واستحضار وإعادة قراءة المتن الفقهي قراءة متجددة عصرية تلائم ظروف العصر والحاجيات التشريعية للمجتمع، أعطانا هذه النتائج.
واعتبر أن هناك مقتضيات بها تجاوت نسبيا مع المطالب الحقوقية وفيها القطع مع الوضع القانوني التشريعي السابق، مبرزا بأن هناك بعض القضايا التي كان بشأنها نوع من التحفظ والتي تعتبر قضايا آنية وجدية وتتعلق بفئة هشة بالمجتمع، وهي فئة الأطفال والمواليد المزدادين خارج إطار الزواج وعدم اعتماد إثبات النسب وحرمان هؤلاء الأطفال من نسبهم، على حد قوله.
وعبر المتحدث عن رأيه قائلا، “بالنسبة لي لم يكن هذا التعديل متوقعا لأن مطلب إثبات النسب لم نكن نظن أنه سوف يخضع للقراءة الفقهية فهو لا ينسجم حتى مع تعاليم الشريعة الاسلامية في”درء المفاسد وجلب المصالح”.. وهذا يعني أننا اعتمدنا مقتضى يعادي الأطفال وكأننا نقول لهم أنتم ستبقون بدون نسب حتى وإن عرف من هو الأب”.
وأشار ألمو إلى أن زواج القاصر كان يجب أن يمنع لأنه يتعلق بحقوق الطفل وهو منافي للحقوق الدولية التي تنص على حقوق الإنسان ولكن للأسف لم يتم إلغاءه وتم الإبقاء على الاستثناء في 17 سنة، مشيرا أيضا إلى الإبقاء على التعدد حيث كانت هناك مطالب بمنعه “لكن تم الابقاء عليه مع استثناءات تم حصرها في سببين مقابل فتح استثناءات أخرى ترافقها مببرات مما يعني أن الوضع السابق في التعدد بقي كما هو.
وبخصوص الجانب المتعلق بالجالية المغربية فيما يتعلق بالزواج فقد جاء التعديل وفق مطالبهم، مؤكدا على أنه يجب الاستفادة من التحول الرقمي ويتم تبسيط الاجراءات التي يباشرونها في المحاكم والادارات المغربية المتعلقة بقضايا الأسرة، مثل عقد الزواج.
فبدل أن يتنقل المهاجر المغربي من أجل الزواج إلى المغرب، يمكن توسيع مهام السفارات والقنصليات لتستوعب شبابيكها قضايا الأسرة وبعض الاجراءات المرتبطة بها، وبهذا يمكن للمهاجر المغربي إبرام عقد الزواج بسفارته، وأشار إلى أنه في بعض المناطق يستحيل إحضار شاهدين مسلمين.
من جانبه صرح الكاتب والصحفي جمال بندحمان لـ”سفيركم” في إطار تعديل المدونة، على أن هناك محددات أساسية في هذا النقاش إذا غيبت أصبح النقاش خارج السياق أو مجرد مزايدات.
وأشار إلى المحدد الأول المتمثل في خصوصيات الدولة المغربية التي تجعلها مضطرة للبحث عن مخارج تأويلية لا تلغي ما تعتبره مرتكزاتها والذي يتداخل فيه المجتمعي بالحقوقي والسياسي والديني.
أما الأمر الثاني فقد حدده بندحمان في “صراع المرجعيات الذي يتطلب البحث عن حلول وسطى يجد فيها كل طرف تحقيقا لجزء من متطلباته”.
وبناء على ذلك يرى المتحدث أنه “يمكن قراءة مستجدات المدونة علما أن هذه القراءة مبنية على ما نشر من معطيات جزئية مادامت الصيغة النهائية لم تصدر بعد”.
وأوضح في حديثه بأن المعطيات المتداولة لحد الآن تبين أن هناك إنصافا لمؤسسة الأسرة وليس لطرف على حساب آخر، وتابع قائلا، “وإذا حصرنا الموضوع في الموقف من مؤسسة الزواج نقول إن العزوف الممكن لا يرجع إلى المدونة بل يرجع إلى الموقف من مؤسسة الزواج وتصور الانسان لها ومدى أهميتها في حياته”.
وختم قوله بأن “الأمر نفسه ينطبق على تقييد التعدد بشروط ذاتية تدون في العقد وشروط قضائية، واعتبار حل الخلافات الممكنة بيد إطار أوسع من القضاء هو مؤسسة الوساطة ذات الطبيعة الاجتماعية”.
وبعد الإعلان عن المضامين الرئيسة، خرج عدد من الفاعلين في المجتمع بتدوينات عبر حساباتهم الخاصة تفاعلا مع الموضوع، منهم الداعية الإسلامي، محمد الفيزازي، معلقا بالقول، “هنيئا للمطلقة بالحضانة المستمرة، وبالنفقة ولو بعد زواجها برجل آخر، وهنيئا لها ببيت زوجها الذي لا يُقسّم مع التركة بعد وفاة الزوج”.
واستمر قائلا، “وهنيئا لها بحمايتها من الضرات. لا ضرة بعد اليوم إلا في أحوال خاصة جد.. وفي المقابل هنيئا للرجال بنعمة العزوبة، وهنيئا للعوانس بعنوستهنّ فلن يجرؤ على الزواج أحد بعد اليوم؟ بل من يجرؤ من المتزوجين على الطلاق أصلا حتى إن دعا الداعي واقتضى الحال…؟ وهنيئا أكثر وأكثر للنسويات والحداثيين والتقدميين على هذا النصر المبين. ثم ماذا بعد؟ ومع كل هذا، لا خوف على الأسرة المغربية إن شاء الله تحت رعاية أمير المؤمنين نصره الله”.