كشف تقرير حديث أنه رغم أن المغرب أصبح مركزا صناعيا رئيسيا تستثمر فيه الصين بكثافة، إلا أنه وجد نفسه في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية، أمام معادلة دقيقة تفرض عليه التوازن بين شراكته الاقتصادية مع الصين وتحالفه الاستراتيجي مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضح التقرير الذي نشرته صحيفة “The New York Times“، بعنوان “لماذا تستثمر الصين مبالغ ضخمة في المصانع المغربية؟”، أن علاقات البلدين تشهد تقاربا اقتصاديا كبيرا، وهو ما تؤكده زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ القصيرة لمدينة الدار البيضاء، في طريق عودته من قمة مجموعة العشرين في البرازيل، حين استقبله ولي العهد الأمير مولاي الحسن وفق التقاليد المغربية.
وأضاف المصدر ذاته أن الصين، التي تسعى لتوسيع نفوذها الصناعي على المستوى العالمي، وجدت في المغرب شريكا مثاليا وموقعا استراتيجيا يمكنها من تجاوز القيود الجمركية المشددة، خاصة تلك التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على السيارات والمركبات الكهربائية الصينية، مبرزا أن المغرب نجح بدوره، في ترسيخ مكانته كمركز صناعي قوي، خاصة في قطاع السيارات.
وذكر التقرير أن التقديرات تشير إلى أن الاستثمارات الصينية بالمغرب تجاوزت خلال الأعوام الأخيرة 10 مليارات دولار، معظمها في قطاع السيارات، والبطاريات، والطاقة، وأن السوق المغربية شهدت دخول عدد من الشركات الصينية، من قبيل “غوشن هاي تك” المتخصصة في البطاريات، و”سينتشوري” لصناعة الإطارات، إلى جانب مجموعة أخرى من الشركات المشتغلة في صناعة المركبات.
وفسر التقرير رهان الصين على المغرب، بكونه بوابة عبور إلى أوروبا، لا سيما وأنه معفي من الرسوم الجمركية بموجب اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين الرباط وبروكسل، كما أشار إلى أن المغرب أصبح في سنة 2023 المصدر الأول للسيارات إلى الاتحاد الأوروبي، متجاوزا دول مثل الصين واليابان والهند، وفق ما جاء في تقرير مجلة “Auto World Journal”.
وأردف أن هذا التحول الاستراتيجي وضع المغرب في مصاف الدول المحورية في منظومة التجارة العالمية الجديدة، إلى جانب دول أخرى مثل المكسيك، وفيتنام، وتركيا وماليزيا، التي تلعب دورا مهما في تجاوز الشركات الكبرى لعقبات الحروب التجارية.
وأورد التقرير تصريح ألكسندر كاتب، وهو محلل اقتصادي ومؤسس منصة التحليل الاستراتيجي “تقرير التعددية القطبية”، الذي قال فيه إن “بكين تسعى للاستفادة من “المزايا الاستراتيجية للمغرب”، وأن ما يجعل منه وجهة جذابة للاستثمار الصناعي هو “منظومته المتكاملة في قطاع السيارات، التي تطورت خلال العقدين الماضيين”، بالإضافة إلى شبكة نقل متقدمة تضم موانئ عملاقة مثل طنجة المتوسط، واحتياطيات كبيرة من الفوسفاط، الذي يعد أحد المكونات الأساسية في تصنيع البطاريات.
ولفت إلى أن هذه العوامل تشكل مجتمعة، إلى جانب مجهودات المملكة في التحول إلى الطاقات المتجددة، والتي أضفت بعدا مستداما على بنيتها التحتية الصناعية، (تشكل) منصة مثالية للشركات الباحثة عن تقليص التكاليف وتفادي الرسوم دون التضحية بالجودة أو الوصول إلى الأسواق الأوروبية
وفي الوقت الذي تتوسع فيه الاستثمارات الصينية، يجد المغرب نفسه أمام معادلة دقيقة تتطلب منه الموازنة بين مصالحه مع بكين، وتحالفه الاستراتيجي مع واشنطن، خاصة وأن هذه الأخيرة فرضت رسوما جمركية تصل إلى 100% على السيارات الكهربائية الصينية، في حين قرر الاتحاد الأوروبي رفعها إلى 45%، للحد من هيمنة الصين على هذا القطاع.
ورجح التقرير أن تضغط إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، بشكل متزايد على الدول التي تتعامل مع الصين، والذي يعد المغرب إحداها.
ومن جانبه، قال الباحث المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعهد “تشاتام هاوس”، أحمد عبده، إن المغرب “يرى في الصين شريكا مهما، لكنه في الوقت ذاته يدرك تماما حساسية الموقف، ولا يريد المخاطرة بعلاقاته الحيوية مع الولايات المتحدة وأوروبا”.
وأكد أن الرباط لن تُفرّط في تحالفها مع الغرب، رغم انفتاحها المتزايد على الاستثمارات الصينية، لا سيما وأن المغرب يشارك بانتظام في تدريبات عسكرية مع الناتو، ويتعاون أمنيا مع واشنطن في ملف مكافحة الإرهاب، كما أنه يسعى للحصول على طائرات “إف-35” الأمريكية.
واستطرد التقرير أن قضية الصحراء المغربية تشكل أبرز عناصر التوازن الجيوسياسي المغربي، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد اعترفت في سنة 2020 بسيادة المغرب على صحرائه، موضحا أن المملكة حريصة على عدم القيام بأي خطوة قد تؤثر على هذا المكسب الدبلوماسي.
وما يعكس خصوصية العلاقة بين الرباط وواشنطن، بحسب التقرير، أن المغرب يخضع حاليا لرسوم أمريكية تبلغ نسبتها 10% على معظم وارداته، إلا أنه لم يتعرض لعقوبات جمركية مشددة مثل التي فُرضت على دول كالمكسيك أو الفيتنام.
وأبرز التقرير أن تسارع وتيرة الإنتاج الصناعي الصيني في المغرب، قد يلفت انتباه الإدارة الأمريكية، ففي يناير الماضي، بدأت شركة صينية متخصصة في قطع غيار البطاريات، عمليات إنتاجها في مصنع مشترك بمدينة الجرف الأصفر، بالقرب من ميناء بحري استراتيجي، ضمن اتفاق بقيمة 2 مليار دولار، وفي أكتوبر الماضي، افتتحت شركة “سينتشوري” للإطارات مصنعا ضخما في “طنجة تيك”، وهو مشروع مستقبلي من المنتظر أن يستقطب 200 شركة صينية.
وبدورها، كانت شركة “غوشن” الصينية قد أعلنت عن بناء أول “مصنع ضخم للبطاريات في إفريقيا، باستثمار مبدئي قدره 1.3 مليار دولار، وقد يصل إلى 6.5 مليار دولار بحسب السلطات المغربية، كما كان رئيس الحكومة عزيز أخنوش قد زار، في شتنبر الماضي، العاصمة الصينية بكين، ما يعكس استمرار انفتاح الرباط على الشراكة مع التنين الآسيوي.