تقطير ماء الزهر، عادة توارثها الأجداد من الأسلاف ، فظلت حية في ذاكرة مجتمعية لمملكة ضاربة في عمق التاريخ، يقول البعض أن أصلها مغربي ويقول البعض الآخر أنه وليد تلاقح أندلسي مغربي، لكن المهم أن الأجيال المتعاقبة تناقلتها مستحضرة هذا الطقس العطري الذي يعكس الارتباط القديم للمغاربة بالنباتات والعطور التي تشكل مكونا أساسيا في الثقافة المغربية.
ويعد ممارسة تقطير الزهر، عادة قديمة تعود جذورها إلى القرن الخامس عشر ميلادي في المدن المغربية العتيقة، حيث كانت النساء يحتفين بدخول فصل الربيع من خلال تقطير زهور شجرة البرتقال في منازلهن بطريقة تقليدية، وفق طقوس خاصة.
وتشمل العملية من البداية، قطف أزهار شجرة الليمون مع صلاة الفجر أو في الصباح قبل بزوغ الشمس كي لا تتأثر الأزهار بأشعتها، ثم تأتي مرحلة تجفيفها قبل تقطيرها بـ”قطارة” تقليدية نحاسية تتكون من ثلاثة أجزاء “البرمة” التي توضع على النار و “الكسكاس” وهو وعاء به ثقوب وكذا القطارة التي كانت تتخذ شكلا هرميا، لتسفر العملية في الأخير عن استخراج “ماء الزهر”.
والقطارة عبارة عن آلة كبيرة تضم في داخلها العناصر الثلاث المذكورة سابقا، حيث يوضع داخلها الماء والزهر وبعد غليه يصعد البخار إلى الوعاء الهرمي حيث توجد المياه الباردة فتتكاثف القطرات وتمر من أنبوب خاص إلى قنينات زجاجية.
ومايزال ماء الزهر مكونا أساسيا في الثقافة المغربية حيث يستعمل في حالات الإغماء لإيقاظ المريض وتقليل توتره، كما أنه مكون رئيسي في المطبخ المغربي، إذ أن أغلب وصفات الحلويات المغربية تحتوي عليه، من قبيل: البقلاوة” و” المحنشة” و”البريوات” و”الطابع” ثم الحلويات التي يكون مكونها الرئيسي هو اللوز.
وتشير بعض الروايات إلى أن عادة تقطير ماء الزهر وصلت إلى المغاربة من بلاد الأندلس، حيث كان الأندلسيون المهاجرون في القرن الخامس عشر ميلادي ينقلون عاداتهم إلى المغاربة وخاصة تلك المتعلقة بكيفية تقطير أزهار شجرة الليمون لاستخراج “ماء الزهر”.
وتجدر الإشارة إلى أن جمعية منية مراكش، قد نظمت للسنة الثانية عشرة على التوالي، خلال الفترة الممتدة من 16 إلى 26 مارس الجاري، موسم تقطير ماء الزهر تحت شعار “زهرية مراكشية”، وذلك تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس وفي إطار احتفاليات مراكش عاصمة الثقافة للعالم الإسلامي لسنة 2024، وبشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل ومجلس جماعة مراكش.
تعليقات( 0 )