تشكل فرحة النجاح في الباكالوريا محطة فاصلة في المسار الدراسي للتلاميذ المغاربة، غير أنها كثيرا ما تتحول إلى مصدر للقلق والحيرة بسبب إشكالية التوجيه المدرسي، ففي ظل غياب آليات فعالة للتوجيه، وتداخل الرغبات الشخصية مع الضغوط الأسرية، يجد عدد من التلاميذ أنفسهم أمام خيارات ضبابية تربك اختياراتهم الأكاديمية وتمس بمستقبلهم التعليمي والمهني.
الرجواني.. منظومة توجيهية قائمة على الكفاءة والمواءمة الواقعية
وأكدت فدوى الرجواني، وهي أستاذة اللغة الإنجليزية بالثانوي، ومهتمة بالشأن التربوي، في تصريح قدمته لموقع “سفيركم” الإلكتروني، أن نتائج الباكالوريا الأخيرة أعادت إلى الواجهة أزمة توجيه التلاميذ نحو الشعب المناسبة، مشيرة إلى أن المعدلات المتدنية المسجلة في الشعب العلمية تطرح تساؤلات جوهرية حول فعالية المنظومة التوجيهية.
وأوضحت الرجواني أن الاعتماد على فكرة تنمية “المشروع الشخصي” دون ضمان آليات واقعية لتقييم قدرات التلميذ، يؤدي إلى توجيه غير دقيق، يجعل الاختيار مبنيا على الرغبات الشخصية أكثر من الكفاءة والقدرة الفعلية، في وقت يظل فيه دور الموجه محدودا في تقديم المشورة فقط، دون تدخل فعلي يضمن حسن الاختيار.
وذكرت أن غياب اختبارات موضوعية تساعد في تحديد مدى استعداد التلميذ للشعب العلمية، يجعل عملية التوجيه عشوائية، الأمر الذي ينتج عنه نتائج متدنية، كما أن غياب سلطة إلزامية أو دعم منهجي حقيقي يجعل دور الموجه التربوي مقتصرا على تقديم النصح وتلبية رغبة التلميذ أو أسرته، وهو ما يفقد العملية قيمتها التوجيهية.
وأكدت الرجواني أنه لا يمكن افتراض وعي جميع التلاميذ بقدراتهم، خاصة في ظل تأثر قرارهم بعوامل اجتماعية أو أسرية قد تدفع التلميذ لاختيار شعب غير مناسبة له.
ودعت إلى تفعيل تقييمات معيارية قبل اختيار الشعب، عبر اعتماد اختبارات مبنية على المهارات والكفاءات الفعلية، بدل التركيز فقط على رغبات التلميذ، مشددة على ضرورة تعزيز دور الموجه التربوي ومنحه صلاحيات أكبر في تقييم مدى ملاءمة اختيارات التلاميذ، واستحداث برامج توجيه إلزامية.
واقترحت الرجواني إدماج الأهل في القرار بشكل ممنهج، من خلال توفير آليات تواصل فعالة بين الأسر والمؤسسات التعليمية، بما يضمن وعيا مشتركا حول القدرات الحقيقية للتلميذ، داعية إلى إعادة الاعتبار للشعب الأدبية بما يضمن جاذبيتها ومستقبلها بعد الباكالوريا.
وقالت إن الرهان الأساسي هو خلق منظومة توجيهية فعالة تقوم على الكفاءة والمواءمة الواقعية، بدل التصورات غير المدروسة التي قد تؤثر سلبا على مستقبل التلاميذ الأكاديمي والمهني.
السحيمي.. غياب فلسفة واضحة للتوجيه يربك اختيارات المتعلمين
ومن جانبه، وصف عبد الوهاب السحيمي، وهو باحث تربوي وعضو المجلس الوطني للتنسيقية الوطنية لحاملي الشهادات، في تصريح مماثل، التوجيه بـ”المشكل الحقيقي”، مبرزا أن جزءا كبيرا من التلاميذ يقعون ضحية لسوء التوجيه، ومنهم من تضيع مسيرتهم الدراسية بسبب عدم اختيار التوجه المناسب لهم.
وسجل السحيمي عدم فتح وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة لورش التوجيه، قائلا: “للأسف الشديد لم تفتح الوزارة هذا الورش رغم توفرنا على مركز للتوجيه والتخطيط، لكن أثره لا يظهر على المتعلمين والمتعلمات”.
وأشار إلى غياب فلسفة واضحة للتوجيه، تُحدد بدقة نوعية المتعلمين الذين تستهدفهم، وعدد التخصصات الممكن فتحها، فضلا عن ضعف مستوى النقاش داخل المؤسسات التعليمية بشأن آفاق كل مسلك، مما يحرم المتعلمين من رؤية شاملة تساعدهم على اتخاذ قرارات مدروسة، كما سجل وجود نظرة ضيقة وغير دقيقة تجاه بعض التخصصات، تُختزل في ربطها فقط بسوق الشغل.
تحديات وضياع حلم مدرسة التجارة والتسيير
ويرى مراقبون أن المشكل ليس في أطر التوجيه لكن في عددها القليل جدا، الذي لا يغطي حاجيات المؤسسات التعليمية بالشكل الكافي، إضافة إلى عدم إجبارية دورات التوجيه، والتي غالبا ما لا يحضرها العدد المطلوب من التلاميذ، ناهيك عن كون كل موجه تربوي مكلف بعدد كبير من المؤسسات، وهو ما يصعب عليه القيام بدوره التوجيهي بالشكل المطلوب.
وبدورها، قالت ياسمين، وهي تلميذة حصلت على الباكالوريا السنة الماضية، وتتابع دراستها في السنة الأولى في تخصص “التجارة والتسويق”، أنها حين حصلت السنة الماضية على الباكالوريا بنقطة 13، واجهت إشكالا كبيرا متعلقا بالتوجيه، حيث أنها لم تجد من يوجهها للمدارس التي يمكن أن تتابع فيها دراستها والتي يمكن أن تلجها بالنقطة التي حصلت عليها، لا سيما وأن المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، التي كانت تحلم بولوجها، وضعت عتبة الانتقاء عند نقطة 14.00.
وأردفت قائلة: “شعرت أن كل شيء اختلط علي، فحلم الدراسة في ‘ENCG’ تبخر، وكل فرد من الأسرة كان يقترح علي مدرسة أو تخصصا معينا لم أكن أرغب فيه، لم أجد آنذاك من يوجهني، لذلك كانت الجامعة الخيار الوحيد أمامي لدراسة نفس التخصص، والحمد لله أبلي فيه حسنا”.