بقلم: مصطفى العراقي*
هناك تطور ذو أهمية يتعلق بقضية الصحراء المغربية جدير بالاهتمام. برز في سنة 2020 ويتقدم اليوم بخطى واثقة حكيمة وبديناميكية انتقلت من البعد الإقليمي إلى الدولي. هذا التطور هو بروز حركة “صحراويون من أجل السلام” والتي شاركت هذا الأسبوع في اجتماعين مهمين بإسطنبول التركية كعضو مراقب بالأممية الاشتراكية التي عقدت مؤتمرها النسائي وبمجلسها الذي يضم أكثر من مائة حزب الأممية الاشتراكية بعد أن حازت على صفة مراقب لهذه الحركة في دجنبر الماضي.
ودون الخوض في تفاصيل مسار منجزات هذه الحركة خلال الخمس السنوات الأخيرة وما حققته من مكتسبات فإني أود التطرق إلى الموضوع من زاوية استراتيجية تتعلق بالنزاع الإقليمي قضية الصحراء.
إن بروز “صحراويون من أجل السلام“ ومن خلال ما أعلنته هذه الحركة من دوافع التأسيس وأهدافه وما استقطبته من فعاليات وأطر تنتمي إلى الأقاليم الجنوبية للمملكة هو خطوة لدحض وإسقاط تلك الصفة التي اختلستها الجزائر ومنحتها للبوليساريو منذ خمسين سنة صفة “الممثل الشرعي والوحيد…”. فكما سرقت الهوية البصرية للعلم الفلسطيني في تلك السنة سنة 1976 ومنحتها لما اسمته بالجمهورية الصحراوية وجعلتها تتماهى مع علم دولة فلسطين أقدمت الجزائر على سرقة صفة التمثيلية التي أسندها مؤتمر القمة العربي بالرباط الذي انعقد في نونبر سنة 1974 إلى منظمة التحرير الفلسطينية (وكانت تضم جل الفصائل الفلسطينية بمختلف توجهاتها الفكرية والسياسية)… كانت المنظمة في ذلك العقد بالخصوص بحاجة إلى توحيد جهود كل الفصائل وأن تكون المخاطب الرسمي لدى عواصم العالم ومنظماته الدولية والإقليمية.
ولأن أصداء هذا الاعتراف بالمنظمة وبقائدها ياسر عرفات استمر في الحقلين الدبلوماسي والإعلامي لسنوات والشروع في افتتاح تمثيليات فلسطينية في العديد من الدول خاصة بعد 1976… فإن الجزائر التي استولت على البوليساريو وجعلتها أداة من أجل تحقيق وهم القوة الإقليمية بادرت في اجتماع “لجنة التحرير“ التابعة لمنظمة الوحدة الإفريقية أثناء اجتماعها بالعاصمة الموزمبيقية مابوتو في يناير 1976 إلى استصدار قرار يسند صفة “الممثل الشرعي والوحيد…” للبوليساريو. وزجت بهذه العبارة في قرارات المنظمة وبعدها الاتحاد الإفريقي.
خمسون سنة والبوليساريو التنظيم الديكتاتوري الذي لا يؤمن بالتعددية ويعتقل الصوت المعارض ويصنع قيادته في المؤسسة العسكرية الجزائرية ويقف في وجه أي مقترح لحل توافقي لقضية الصحراء… خمسون سنة من السرقة الموصوفة آن اليوم أن تُنتزع عنه هذه الصفة (الممثل الشرعي والوحيد…) وآن الأوان ألا يُعترف به كطرف وأن تُحذف تلك العبارة التي ترد في قرارات مجلس الأمن “حل مقبول من الطرفين…” بل يجب اعتباره تنظيمًا إرهابيًا وألا يجلس معه المغرب إلى طاولة مفاوضات أو يوقع معه وثيقة، وأن تعمل الرباط على إسقاط عضوية تلك الجمهورية الوهمية بالاتحاد الإفريقي.
كيف إذن لتنظيم قتل المئات من المغاربة وعذبهم في سجون بالأرض الجزائرية، وأيديه ملطخة بدماء ضحايا كديم إيزيگ… كيف لبلادنا أن تعتبره طرفًا وشريكًا في أي حل؟
إن تمثيلية سكان الصحراء اليوم وهم جزء لا يتجزأ من المملكة المغربية ومن الشعب المغربي هم المنتخبون الذين تفرزهم استحقاقات الجماعات الترابية والانتخابات التشريعية، وهم كذلك هؤلاء الذين يملكون استقلالية قرارهم عن السلطات الجزائرية المؤمنين وعن قناعة وبقوة الحق التاريخي بأن الصحراء كانت جزءًا من المغرب وستظل كذلك. أما البوليساريو الذي تم اختطافه وتدجينه واستغلاله من طرف النظام الجزائري وتبنيه لأطروحة الانفصال ولإستراتيجية هذا النظام المتمثلة في إضعاف المغرب وعزله عن عمقه الإفريقي، فإنه أي البوليساريو لا علاقة له بأي تمثيلية ليس فقط لسكان الصحراء بل حتى لتلك التجمعات البشرية التي تتواجد بمخيمات تندوف والتي تنتمي أغلبها لدول إفريقية ومناطق جزائرية تم استدراجها وحجزها بهذه المخيمات.
*صحافي، ومهتم بقضية الصحراء المغربية