جاد المالح، اسم لقصة شاب مغربي، لم يكن يعلم حين كان يتسكع في شوارع فرنسا الشعبية، أن يد القدر ستمتد له يوما، لتخط حكاية حبلى بتفاصيل النجاح، بطلها رجل يعرف جيدا كيف يروض كلماته، ويدير حركاته، وينهل من جذوره، ليشكل نصا يؤثث البسمة على قلوب المشاهدين.
لم يكن الحس الكوميدي، الهبة الوحيدة لجاد المالح، بل تجاوزه إلى التمثيل، والعزف والرقص، فحين يجسد شخصيات، كان يرتدي عباءتها، ويتوغل في تفاصيلها، وحين يعزف يحرك أوتارا خامدة، أما حين يرقص، فيوقظ في داخل المتلقين رغبة للرقص، ليكون بذلك واحدا من أبناء المغرب البررة، الذين سكنهم حب الوطن، وينتهزون كل فرصة ليعتزوا بانتمائهم للمملكة.
من هو جاد المالح؟
يعد جاد المالح، من بين الفنانين ذوي شهرة واسعة في العالم ككل، فهو ممثل، ومسرحي، وكوميدي وعازف، يجمع بين ثلاث جنسيات مختلفة، وهي المغربية بلده الأصلي، ثم الفرنسية والكندية، ولد سنة 1971، بمدينة الدار البيضاء، في أسرة مغربية يهودية، من طائفة السفارديم، كان لوالده دور كبير في حبه للفن، حيث كان يحب ممارسة فن التعبير المسرحي الصامت.
كان جاد مشاغبا حين كان تلميذا، حيث ذكرت تقارير إعلامية، أنه كان يهرب من مدرسة البعثة الفرنسية، ليتسكع مع أقرانه من المشاغبين، في الأحياء الشعبية، ما دفع بعض أساتذته، للتنبؤ له بمستقبل فاشل، لكنه خيب ظنهم، وأصبح من فناني الشباك الأول.
المسار الدراسي
تابع المالح دراسته، في ثانوية “ليوطي” بالدار البيضاء، وفي سنة 1988، قرر أن يسلك طريقا آخر، ليدرس العلوم السياسية في كندا، وانتقل بعدها إلى مدينة باريس، من أجل ولوج المجال الفني، حيث التحق بمدرسة “فلوران”، التي تعد من أرقى المعاهد التكوينية للممثلين والمحترفين، وتلقن هناك تكوينه في فنون التمثيل والمسرح.
وتعرف الجمهور الفرنسي على المالح، لأول مرة، في سنة 1996، خلال ظهوره على خشبة المسرح، صحبة الممثل الكوميدي الفرنسي اليهودي، أيلي كاكو، وبعد أن نال استحسان الجمهور، قرر عقب ذلك، بسنة واحدة فقط، تقديم عرض “ديكالاج” الفردي، ما فتح أمامه الباب على مصراعيه، لاحتراف العروض الكوميدية الفردية، أو ما يطلق عليه “الستاند أب كوميدي” أو “وان مان شو”.
بداية الشهرة
سلك جاد طريقه نحو الشهرة، من خلال كوميديا “شوشو”، التي نقشت اسمه في ذاكرة المشاهد الفرنسي، لتتوالى بعدها عروضه الفردية، التي استقطبت آلاف المشاهدين الفرنسيين والناطقين بالفرنسية، وزادت شهرته أكثر، حين قدم عددا من العروض الكوميدية المسرحية، من قبيل “الحياة العادية” و”الآخر هو أنا”، ثم “بابا فوق”.
وفيما يتعلق بالجانب السينمائي، فلم يغفل جاد عنه أبدا، بل عاد إليه مثقلا بأحلام كبيرة، تحققت من خلال نجاحه الكبير، في فيلم “كوكو”، خلال سنة 2009، بالإضافة إلى فيلم “السعادة لا تأتي بمفردها”، الذي تقاسم بطولته مع الممثلة صوفيا وارسو، وكذا جولاته العالمية، لتقديم عرضه المسرحي “دون طبل”.
وبفضل مواهبه المتعددة، اتجهت أنظار مخرجي هوليوود نحوه، وأسندوا له أدوارا مختلفة، كدوره في فيلم “منتصف الليل بباريس”، للمخرج وودي آلن، وفيلم ”تانتان”، للعبقري ستيفن سبيلبيرغ، كما جسد دور طباخ في فيلم “جاك وجولي”، رفقة الأسطورة آل باتشينو.
وسلط جاد المالح الضوء، في العام الماضي، على جزء من حياته، ويتعلق الأمر بعمله السينمائي، تحت عنوان “بقا شوية”، لافتا في تصريحات إعلامية، إلى أن هذا الشريط الجديد، عبارة عن “فيلم عائلي لا مثيل له في تاريخ السينما”، لأنه أشرك أفرادا من عائلته ووالديه، ما يجعل الفيلم تحفة فنية بطابع واقعي.
علاقته الغرامية مع أميرة موناكو
واتجهت عدسات الصحافيين و”الباباراتزي”، نحو المالح، حين ربطت كبريات الصحف اسمه، بأميرة موناكو الجميلة، تشارلوت كازيراغي، وهي علاقة لقيت انتقادا واسعا في الأوساط الغربية، لكونها تجمع بين أميرة أوروبية وشاب من أصول عربية.
وتشارلوت كازيراغي، هي الإبنة الصغرى للأميرة كارولين، وهي أيضا حفيدة أمير موناكو السابق، رينييه الثاني، ولدت في سنة 1986، وشقيقاها هما الأميران أندريا وبيير.
وآنذاك، فضلت العائلة الأميرية التزام الصمت، وعدم التعليق على الأخبار المنتشرة، لكن بعد ذلك تلقى جاد المالح، دعوة من والدة الأميرة كارولين، ليشاركهما في رحلة بحرية، على متن أحد يخوت العائلة الفاخرة.
وتعود جذور العلاقة الغرامية، بين جاد وأميرة موناكو، إلى لقائهما الأول سنة 2011، في حفلة خاصة، لتجمعهما الأقدار مرة أخرى، في حفل نظمته علامة “غوتشي”، وانتشرت أخبار حول احتفالهما معا، برأس سنة 2012، في مدينة مراكش.
وتزوج المالح بالأميرة، لكن قصة حبهما انتهت، بعد مرور ثلاث سنوات فقط، حين قررا الطلاق سنة 2015، وأشارت الصحافة آنذاك إلى أن سبب انفصالهما، هو تعرضه لضغوط من العائلة المالكة، بسبب رفضها رغبته في ختان ابنه.
اعتزاز بجذوره وأصوله المغربية
معروف عن جاد المالح، في جل لقاءاته الصحفية، افتخاره الكبير بجذوره المغربية، فقبل أن يكون فرنسا أو كنديا هو مغربي، وحين حل ضيفا، على البرنامج الحواري الأمريكي، الذي يقدمه الصحفي كونان أوبراين، قال جاد المالح بطريقة ساخرة، تفاعلا مع قرارات دونالد ترامب، القاضية بمنع دخول مواطني الدول العربية: “أنا فخور جدا بأصولي، ولكن هذا ليس الوقت المناسب، لتقديمها إلى السلطات الأميركية، على جواز سفر مكتوب باللغة العربية”، داعيا مقدم البرنامج إلى زيارة المغرب.
إحراجه للإعلام الفرنسي
ونال جاد المالح مؤخرا إشادة واسعة، بعد مروره في برنامج تلفزي فرنسي، حيث قال في معرض جوابه، عن سؤال الصحفية، حول “موقفه كمواطن مغربي فرنسي”، من توتر العلاقة بين البلدين.
وأجاب الفنان المغربي، أنه “ليس فرنسيا مغربيا بل مغربي مهاجر في فرنسا”، مؤكدا أنه يكن لهذا البلد كل الاحترام، مثله مثل أغلب المهاجرين.
وطالب المالح الفرنسيين، التعلم من المغاربة، وتضامنهم مع بعضهم البعض في وقت الأزمات، مشيرا إلى أن ما يشغل باله حاليا، هو كيفية مساعدة بلده، في المحنة التي يمر منها.
ووجه حديثه إلى السياسيين الفرنسيين، قائلا: “منذ سنوات، وأنتم تتحدثون عن الوحدة الوطنية والعيش المشترك، فاستلهموا ذلك مما يحدث في المغرب، من اتحاد وتماسك وتضامن، يوجد في جينات الثقافة المغربية غير المزيفة، استلهموا هذا من الواقع المغربي، قبل أن تعطونا دروسا حول التضامن”.
وهكذا، يبقى جاد المالح، بمواقفه الثابتة واعتزازه بمغربيته، نموذجا للفنان الشامل، الذي يمتلك شخصية بأبعاد عظيمة، ومزيج ثقافي متنوع، ثم حس دعابة مرح، كلها أمور أهلته، ليكون نجم الشباك الأول، في المسرح الكوميدي الفرنسي.
تعليقات( 0 )