تقدّم الناشط الأمازيغي المثير للجدل عبد الله الفرياضي، رئيس جمعية المعهد المغربي لحقوق الإنسان، برسالة إلى عزيز أخنوش بصفته رئيسا لبلدية أكادير، وذلك قصد تغيير أسماء بعض الشوارع وفضاءات المدينة، وإعادة تسميتها بأسماء يهودية مغربية، لاعتبار الهوية العبرية جزءا أساسيا من الهوية المغربية، حسب ما جاء في رسالة الفرياضي لأخنوش.
واقترح الفرياضي، في نص الرسالة التي حصل موقع “سفيركم” على نسخة منها، على رئيس المجلس الجماعي لأكادير، تسمية بعض المرافق العمومية في مدينة أكادير بأسماء شخصيات يهودية مغربية تركت بصماتها على تاريخ وذاكرة المدينة، ومن بينها “أورنا بعزيز”، الناجية من زلزال عام 1960، ومؤلفة العمل المرجعي حول هذه المأساة لمتحف إعادة الإعمار في أكادير.
عبد الله الفرياضي
كما اقترح رئيس جمعية المعهد المغربي لحقوق الإنسان، تسمية المجمع الثقافي بمنطقة الداخلة باسم الفنانة الشهيرة نيتا الكايم، المغنية اليهودية المغمورة التي تعيد أداء بعض الأغاني المغربية والأمازيغية، وإعادة تسمية شارع علال الفاسي (حي بواركان) إلى شارع سيمون ليفي، وهو شخصية سياسية واقتصادية راحلة، وشخصية محبوبة من قبل سكان المدينة، وكذلك إعادة تسمية شارع عبد الرحيم بوعبيد إلى شارع خليفة بن مالكا، وهو حاخام تاريخي بارز في أكادير، مدفون في مقبرة حي إحشاش القديم.
وتلقى هذا الاقتراح ردود فعل متباينة، ما بين مؤيد ومستغرب له، كما حظي بنقاش هام من طرف الفاعلين السياسيين والثقافيين والأكاديميين في المدينة، حيث قال جواد فرجي، عضو المجلس الجماعي لمدينة أكادير: “جهات ما تراسل أخنوش، رئيس بلدية أكادير، تطالبه بإلغاء أسماء شوارع ومنشآت عمومية كشارع عبد الرحيم بوعبيد أو علال الفاسي، وتعويضها بأسماء شخصيات يهودية-عِبرية، وهو ما ينم عن احتقار وتنطّع مبالغ فيه من طرف هذه الجهات”.
وأضاف فرجي في تصريح لموقع “سفيركم” قائلًا: “نحن لسنا ضد التنوع والاختلاف في المشهد والتأثيث الحضري أو التجهيزات العمومية، لكن ألا يكون ذلك على حساب المكون الوطني أو المحلي. فالمجال واسع ومفتوح للجميع، لكن بدون إقصاء لأي مكون، لذلك نرجو توضيحًا من طرف الجماعة”.
وطالب العضو الجماعي عن حزب الاتحاد الاشتراكي في مجلس مدينة أكادير، من الرئيس عزيز أخنوش، توضيح خلفيات تسريب هذه المراسلة المشبوهة، قائلاً: “للأسف، أصبح التنكر لكل ما هو وطني أو مغربي، والارتماء في أحضان الشرق أو الغرب، أسلوبًا فجًّا ومزايديًا لممارسة التدبير العمومي”.
وفي السياق نفسه، اعتبر الأستاذ الجامعي والباحث الأنتروبولوجي لحسين بويعقوبي أن “خصوصية هذه الرسالة كونها أول من أشار بشكل مباشر لأسماء مغاربة يهود، لكن في المقابل حددت بالاسم الشوارع المراد تغيير أسمائها (علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد)، الأمر الذي سيؤدي إلى فتح جبهة مواجهة مع تيارات سياسية، وحتى عدد من المغاربة يحظى لديها الاسمان المذكوران بالتقدير والاحترام”.
وأضاف بويعقوبي، في تدوينة نشرها على صفحته بالفيسبوك، أن “تسمية بعض فضاءات مدينة أكادير بأسماء شخصيات وأعلام يهودية مغربية، لن يختلف عليه ديمقراطيان اثنان، خاصة وأن بعضها قدم خدمات جليلة لمدينة أكادير، وللوطن عمومًا، لكن لابد من فتح نقاش عمومي للتوافق على المبادئ الكبرى والعامة المؤطرة لهذا الاختيار، بدون تمييز، لا بسبب اللون أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي”.
وأوضح المتحدث أن “المبدأ الأول للاختيار يجب أن ينطلق من الاعتراف بأن الأسماء الأمازيغية هي الأكثر تضررًا من الاختيارات السابقة في تسمية شوارع وفضاءات وتجزئات وإقامات المدينة، خصوصًا بعد زلزال 1960، حيث إن جل أحياء المدينة تم تسميتها بعيدًا عن أسمائها الأمازيغية التاريخية، (الداخلة، الهدى، المسيرة، التمديد، القدس، ليراك، ليزاميكال، صونابا، أكادير باي…)”.
كما أشار الباحث الأنتروبولوجي إلى أن “مدينة أكادير وسوس تزخر بأسماء شخصيات (رجالًا ونساءً) قدّمت الشيء الكثير للوطن في مختلف المجالات (الثقافة، الرياضة، السياسة، الاقتصاد، التعليم، البحث العلمي…)، يجب أن يُحتفى بها من خلال إطلاق أسمائها على الفضاءات لتخليدها وجعلها تنتقل بين الأجيال”.
وشدّد بويعقوبي على أن “أسماء الشخصيات الوطنية، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع اختياراتها ومواقفها في زمن معين، يمكن أن تجد لنفسها مكانًا في فضائنا العمومي، بناءً على مبررات مقنعة، ويجب أن تنتمي تاريخيًا لمختلف الفترات التاريخية، منذ ‘إيغود’ إلى اليوم”.
ولفت المتحدث إلى أن “مدينة أكادير مدينة مفتوحة على العالم، وتربطها علاقات مع مختلف أنحاء العالم، وقدّم لها أجانب كثر عدة خدمات في مختلف المجالات، وهو ما يجعل فضاءاتها العمومية خير مكان لتخليد أسماء بعض الشخصيات الأجنبية، لما قدّمته من خدمات إما لأكادير، أو للمغرب عمومًا، أو للإنسانية جمعاء في مختلف المجالات”، مشيرًا إلى أن “ملك بلجيكا، مثلًا، ساهم في إنشاء حديقة في أكادير لا تحمل اسمه، لكن تُسمّى ابن زيدون”.
وختم أستاذ الأنتروبولوجيا بأكادير بالقول: “إن معايير اختيار الفضاء في حد ذاته (شارع كبير أم زنقة في حي، ساحة عمومية أم مركب ثقافي…) تحتاج بدورها إلى نقاش عام وتوافق مجتمعي، لأن الهدف الأسمى من العملية هو احترام الهوية الثقافية لمدينة أكادير، المتجذّرة في محيطها الثقافي، والمنفتحة على العالم، أي الانتقال من المحلي إلى الكوني”.