أثار قانون العقوبات البديلة الكثير من الجدل في الساحة السياسية وبين فقهاء القانون بين مؤيد ومعارض، وقد نجح وزير العدل عبد اللطيف وهبي في تمرير هذا القانون، بعد مصادقة مجلس المستشارين على مشروعه، بالأغلبية.
وقد استهدف هذا القانون توسيع دائرة الاستفادة من العقوبات البديلة، مع استثناء الجرائم الخطيرة والأشخاص في حالة العود، وينهل هذا القانون من المرجعيات المختلفة والقواعد الدولية التي تبتغي تحقيق التوازن بين حقوق الضحية وحقوق المتهمين وحق المجتمع في التصدي للجريمة.
للاقتراب أكثر من الموضوع، نطرح هذه الأسئلة، على الدكتور عبد اللطيف أكدي؛ أستاذ القانون الخاص بجامعة ابن زهر بأكادير.
في هذا الحوار، مع موقع “سفيركم”، يسلط الدكتور عبد اللطيف أكدي؛ أستاذ القانون الخاص بجامعة ابن زهر بأكادير، الضوء على قانون العقوبات البديلة، وما يطرحه من تحديات وصعوبات عند تطبيقه على أرض الواقع، وكيف يمكن أن يسهم في تحقيق العدالة الجنائية، والحد من اكتظاظ السجون المغربية، ويبرز أهميته في مسار تطور العدالة الجنائية ببلادنا.
س 1: بداية قربنا أكثر من قانون العقوبات البديلة؟
ج: بداية السلام عليكم ورحمة من الله وبركاته سي ياسين، ثم اسمحوا لي أن أتقدم لكم بجزيل الشكر لمنحي فرصة التعليق على موضوع أعتبره من المواضيع التي حظيت باهتمام شديد من طرف رجال القانون والحقوقيون بشكل عام، ألا وهو العقوبات البديلة فنعلم جميعا أن كل دراسة تناقش وتخضع للتحليل إلا ولها من الأهمية العلمية ما يكفي، بالتالي فالعقوبات البديلة من وجهة نظري الشخصية أعتبرها انتصارا حقوقيا عرفه المشرع الجنائي المغربي طال انتظاره كيف لا وأن مجموعة من التشريعات الجنائية (العقابية) المقارنة اعتمدت على العقوبات البديلة منذ زمن طويل والمشرع الجنائي المغربي لا زال في مرحلته الأولى بخصوصها، إلا أننا نستبشر خيرا بعدما تمت المصادقة عليه من طرف مجلس النواب في قراءته الثانية يومه الاثنين 24 يونيو 2024، وعليه فقانون العقوبات البديلة 43.22 أعتبره تحولا حقوقيا سيعود بالنفع الكبير على العدالة داخل مجتمعنا المغربي بكل تجلياتها، وباستقرائنا لمحاور القانون يتضح أن المشرع الجنائي المغربي قام بتعديل الفصل 14 منه واعتبر أن العقوبات الجنائية تكون إما أصلية أو بديلة أو إضافية، طبعا وندرك أن العقوبات الأصلية هي العقوبات التي يحكم بها لوحدها وتكون بمثابة الحد للجرائم المرتكبة من طرف الجناة، أما الاضافية وهي التي لا يمكن الحكم بها لوحدها وإنما تنضاف للعقوبات الأصلية، أما العقوبات البديلة وهي تلك العقوبات البديلة التي يمكن للقاضي الحكم بها كبديل للعقوبة السالبة للحرية طبعا والتي تندرج ضمن الجنح الضبطية أو التأديبية شريطة أن لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجنائي المغربي اعتمد على التقسيم الثلاثي للعقوبات البديلة وطبعا نعتبر ذلك نموذجا مغربيا بامتياز، وهي العمل لأجل المنفعة العامة، المراقبة القضائية، تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية.
وعليه فقانون العقوبات البديلة يعتبر ذلك البديل القانوني للعقوبات الكلاسيكية المتعارف عليها وطنيا، جاء من للحيلولة دون تفاقم عدد الجرائم البسيطة ثم العمل على تقليص عدد الساكنة السجنية وخاصة منها تلك المحكومة بعقوبات قصيرة المدة، وكذلك من أجل ترشيد الاعتقال الاحتياطي أكثر وأكثر.
س: ما السياق الذي جاء فيه هذا القانون؟
ج: نعم نتحدث عن السياق أو أسباب النزول، فنعلم أن كل قانون إلا وتسبقه مجموعة من المسببات والعوامل والسياقات إن قلنا وطنية كانت أم عالمية، كيف لا وأنه كما سبقت الإشارة إليه أن المشرع الجنائي المغربي يعتبر من بين التشريعات العربية المتأخرة في اعتماد العقوبات البديلة، الأمر الذي دفع به في الآونة الأخيرة وكاقتناع جدي لا محيد عنه في ضرورة وجود مثل هاته القوانين داخل المنظومة الجنائية المغربية.
وبطبيعة الحال، فيعتبر خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره والله وأيده في خطابه السامي بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك والشعب بتاريخ 20 غشت 2009 والذي أكد على ضرورة تحديث المنظومة القانونية، وضمان شروط المحاكمة العادلة، الأمر الذي يتطلب نهج سياسة جنائية بديلة عن تلك التقليدية ولعل من أبرز سماتها اعتماد وتطبيق العقوبات البديلة خاصة وأن العقوبات الكلاسيكية أبانت على محدوديتها تارة وتارة أخرى عن عدم فاعليتها في الحد من الجرائم وكذا ارتفاع عدد الساكنة السجنية بالمغرب.
ثم نجد توصيات الأمم المتحدة، فقواعد الأمم المتحدة النموذجية المعروفة بقواعد طوكيو، والتي تنادي وتطالب جميع التشريعات الجنائية المنضوية تحت لوائها بضرورة اعتماد بدائل لبعث العقوبات الجنائية..
ثم كذلك اقتناع المشرع الجنائي المغربي بضرورة اعتماد بدائل العقوبات السالبة للحرية، خاصة وإذا سلمنا بالنموذج الاسكندنافي الرائد في مجال العقوبات الجنائية، هذا النموذج الذي أصبح يحتفل سنويا بعدم وجود السجناء في مجتمعاته.
س 3: كيف تنظر لخطوة المصادقة على مشروع القانون في مجلس المستشارين الذي خضع لمسطرة طويلة وتمت المصادقة عليه؟
ج: طيب، ندرك أن مسطرة صياغة النصوص التشريعية تمر بمجموعة من المراحل، فإن قلنا مرحلة الاقتراح ثم صياغة المشروع ثم المناقشة والتصويت فالمصادقة ثم التصديق فالنشر بالجريدة الرسمية، طبعا تبقى تلك طريقة عادية لمسار صياغة القانون، إلا أنه يمكن أن يتعرض مشروع قانون لمجموعة من الانتقادات وهو ما يلزمه إعادة قراءته وهو ما حصل لمشروع قانون العقوبات البديلة والذي تم تقديمه من طرف الوزارة الوصية (وزارة العدل) أمام أنظار السلطة التشريعية في القراءة الأولى وخضعت بعض بنوده لمجموعة من التنقيحات وفي القراءة الثانية تمت المصادقة عليه بعد أخذ الجهة المكلفة بإعداده لتلك الملاحظات فتمت المصادقة والتصويت عليه بتاريخ 24 يونيو 2024، طبعا وذلك لا يعتبر مرحلة نهائية فقد تطاله كذلك ملاحظات أخرى، بالتالي فأرى شخصيا أنه كان حريا بوزارة العدل أن تعطي لهذا القانون أهمية ووقت أكبر خاصة وأنه يعالج موضوع غاية في الأهمية ولربما سيعتبر فارقة في مسار العدالة داخل مجتمعنا، ولما لا إدراجه ضمن مسودة القانون الجنائي خاصة ونحن تأخرنا بالمقارنة مع باقي الدول الرائدة في المجال الجنائي..
س 4: هل يحد هذا القانون من السلطة التقديرية للقاضي؟
ج: لا بالعكس، أظن أن القانون يمنح ضمانة أخرى من ضمانات المحاكمة العادلة بالنسبة للأشخاص، ثم أنه يمنح سلطة واسعة للقاضي الزجري في الحكم بالعقوبات البديلة في إطار سلطته التقديرية، خاصة ونحن اليوم نلاحظ القضاء المغربي أصبح أكثر تطورا وأكثر نضجا فالقاضي نراه بدأ يتحرر من كونه ذلك اللسان الناطق بالقانون إلى قاضي يبث الروح في النص القانوني، بالتالي فجازما أرى أن هذا القانون سيمنح للقاضي الزجري حرية أكثر لتطبيق روح القانون، خاصة وأن مشروع القانون ينص أن العقوبات البديلة تقدم إما تلقائيا أو من طرف النيابة العامة أو من طرف المحكوم عليه أو دفاعه أو الممثل الشرعي للحدث أو مدير المؤسسة السجنية أو من يعنيه الأمر.
فكلمة -تلقائيا- المنصوص عليها آنفا تدل مما لا شك فيه أن هذه العقوبات لا ولن تكون قيدا لسلطة القاضي التقديرية.
س 5: كيف يمكن أن يسهم هذا القانون في الحد من الاكتظاظ داخل السجون المغربية؟
ج: قبل الجواب على سؤالك سي ياسين، لابد من وضع القارئ الكريم في الصورة، اليوم نتحدث عن ظاهرة اكتظاظ السجون المغربية وبطبيعة الحال رئاسة النيابة العامة دائما ما تحث الوكلاء العامون وكذا وكلاء الملك بضرورة ترشيد الاعتقال الاحتياطي ولأدل على ذلك مجموعة من الدوريات والمناشير وكذا مجموعة من اللقاءات العلمية بخصوصه، ثم كذلك المجلس الأعلى للسلطة القضائية دائما ما يحث القضاة وقضاة التحقيق بالخصوص بضرورة ترشيد الاعتقال الاحتياطي، نظرا لكثرة التقارير المرسلة من طرف المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بخصوص الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية وارتفاع عدد الساكنة السجنية بالمقارنة مع طاقتها الاستيعابية، من خلاله اشتغل المغرب على إيجاد حلول تعمل على حصر الظاهرة أو حتى التقليل منها بشتى الطرق، ولعل أبرزها اعتماد القضاء الزجري على العقوبات البديلة عوض تللك السالبة للحرية وخاصة العقوبات القصيرة المدة أو البسيطة.
بالتالي فنرى أن القانون 43.22 سيعمل على حصر ظاهرة الاكتظاظ داخل السجون من خلال اعتمادها خاصة بالنسبة للعقوبات القصيرة المدة الحائزة لقوة الشيء المقضي به، والتي حسب آخر الإحصائيات يتضح أن السجون المغربية تتضمن مجموعة من النزلاء الذين تتراوح مدد اعتقالهم بين شهر وسنتين أو ثلاث سنوات، فما بالك بقانون العقوبات منح الحق حتى للعقوبات التي تصل إلى خمس سنوات.
س6: ألا يمكن أن يؤثر القيد الالكتروني في تطبيق العقوبات الجنائية الذي غايته الزجر وتحقيق العدالة الجنائية؟
ج: لا ننكر أن من أهداف العقوبات الزجرية هي تحقيق الردع بنوعيه العام والخاص، ثم الزجر للحيلولة دون تكرار الفعل الجرمي وكذا للضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه ارتكاب أفعال جرمية ماسة بأمن وطمأنينة المجتمع وأفراده، ثم كذلك تحقيق العدالة الجنائية المنشودة بين جميع أفراد المجتمع وهو بطبيعة الحال هو مقصد ومغزى القانون الجنائي في شموليته، بالتالي فسؤالك سي ياسين يمنح لي الحق في طرح سؤال آخر مفاده هل فعلا العقوبات الجنائية بنوعيها الأصلي والمضاف حققت الهدف المنشود منها أم لا؟
طبعا اليوم نتحدث عن القانون الجنائي المغربي لسنة 1962 والذي دخل حيز النفاذ والتطبيق سنة 1963، أهدافه ومبادئه كلها تروم مكافحة ومحاربة الجريمة داخل المجتمع والتي اعتبرها شر لابد منه داخل المجتمع، فالجريمة هي المرآة العاكسة لنسبة تطور المجتمعات فلا يمكن لأي مجتمع أن يعيش أو يتعايش من دون جريمة وهذا من طبع بني البشر، بالتالي فجاءت ما يسمى بالعقوبات البديلة والمتعلقة بالقيد الالكتروني وهذا الإجراء اعتبره من التدابير القانونية المهمة التي ستحقق مجموعة من الفوائد على العدالة داخل مجتمعنا في حال حسن استعمالها وتطبيقها من طرف الجهاز المكلف بذلك، فاليوم أرى أن المجتمع المغربي لا يحتاج للقانون بقدر ما أراه يحتاج لتغيير العقليات والاهتمام أكثر بالعنصر البشري لتحقيق النمو والعدالة الجنائية.
س 7: ما الضمانات التي ستحقق التوازن بين حقوق المحكوم عليه والضحية وحق المجتمع؟
ج: سؤال ذكي ومهم جدا سيدي، فعند استقرائنا للقانون 43.22 لم يتجلى لنا أن المشرع اعتنى داخله بالضحية اللهم بالمحكوم عليه والمجتمع، بالتالي فكان حري على المشرع أن يعالج كذلك الضحية وحقوقه بالقانون، لربما السبب في ذلك يرجع لعدم اهتمام المشرع الجنائي بعلم الضحية الذي أصبح علما يفرض نفسه بقوة داخل المنظومة الحقوقية، وغالبا ما نتحدث مع طلبتنا عن هذا العلم رغم أنه معروف منذ زمن طويل مثله مثل علم الاجرام إلا أنه لم يحط باهتمام مباشر، بالتالي فأظن أن السلطة التقديرية للقاضي ستكون هي الفيصل في تحقيق التوازن بين هذا الثالوث، وكما سبقت الاشارة إليه أن قضاء اليوم أصبح يعالج في قراراته وأحكامه حق الضحية وحق المجتمع أسوة بحق المتهمين.
من خلاله أتمنى جاهدا من المشرع الجنائي المغربي اعطاء أهمية أكبر لضحايا الجرائم، إن قلنا منحهم ضمانات وحقوق قانونية كفيلة بجبر الضرر الذي لحق بهم، أو من خلال إبراز دورهم في ارتكاب الجرائم بالتالي تحميلهم المسؤولية الجنائية، وذلك كله انتصارا للعدالة وحماية لأمن المجتمع.
س 8: إلى أي حد يمكن أن يخفف هذا القانون من الاعتقال الاحتياطي؟
ج: بداية اسمحوا لي سيدي بالتذكير أن الاعتقال الاحتياطي هو تدبير استثنائي ويجعل الأشخاص غير محكومين نهائيا، بالتالي فقانون العقوبات البديلة يتحدث وفقط على الأشخاص المحكومين ولا مجال للحديث عن المعتقلين الاحتياطيين، فالعقوبات البديلة السابق الحديث عن أنواعها تخص فقط المحكوم عليه بأحكام حائزة لقوة الشيء المقضي به.
س 9: ماذا يمكن أن تقول للقراء؟
ج: اسمحوا لي بداية وكما يقول فقهاؤنا المناسبة شرط، أن أتقدم لكم سي ياسين بأزكى عبارات الشكر والتقدير والاحترام لطرحك هذا الموضوع الحيوي لما له من راهنية وأهمية قصوى داخل مجتمعنا، هذا إن دل فإنما يدل على حنكتكم واجتهادكم وقوة ملاحظاتكم لاختيار الغوص في محاور ومواضيع تعالج آلام وآمال أفراد المجتمع المغربي، وحقيقة القول هي ما خبرتكم أنكم صحفي مجتهد عصامي وموضوعي، فلكم فائق التقدير، أما بالنسبة للقراء الأفاضل فأتمنى جاهدا أن أكون قد وفقت في إبراز ولو جزء بسيط ملامح قانون العقوبات البديلة، وأتمنى للجميع شهية علمية طيبة، وفقنا وإياكم الله لما فيه خير لبلدنا العزيز تحت القيادة الرشيدة الحكيمة لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته للجميع.
حاوره ياسين حكان (باحث وكاتب)