قدم خبراء مغاربة في الديار الهولندية، قراءتهم التحليلية للمشهد السياسي الهولندي، بعد انهيار الحكومة الائتلافية، عقب إعلان خيرت فلدرز، زعيم حزب “من أجل الحرية” اليميني المتطرف، يوم أمس الثلاثاء، عن انسحاب حزبه من الحكومة، بسبب خلافات عميقة حول سياسة الهجرة واللجوء.
وتناقلت تقارير إعلامية دولية أن فيلدرز، المعروف بخطابه المتشدد ضد الهجرة والإسلام، قد أعرب عن استيائه من بطء تنفيذ ما وصفها بـ”أكثر سياسات الهجرة صرامة”، والتي كان قد اتفق بشأنها مع شركائه في الحكومة عقب انتخابات نونبر 2023.
وفي هذا الصدد، أوضح يونس بحكاني، وهو إعلامي مغربي بهولندا في تصريح قدمه لموقع “سفيركم” الإلكتروني، أن هذا الوضع يذكره بما حدث في سنة 2006، عندما سقطت حكومة بالكينيندي الثانية، التي كانت تضم أحزاب الأغلبية الثلاثة “الحزب المسيحي الديمقراطي” و”حزب الشعب للحرية والديمقراطية” و”حزب الديمقراطيين 66″.

وأضاف أن “حزب الديمقراطيين 66” كان قد سحب دعمه للحكومة آنذاك، فغادر وزراء الحزب الثلاثة مناصبهم، ويتعلق الأمر بوزيرين ووزير دولة، فيما استمر الوزراء المتبقون في تسيير الحكومة تحت اسم “بالكينيندي الثالثة”، أو ما يُعرف بـ”الحكومة البديلة”.
وتوقع المصدر ذاته أن يستمر الوضع على ما هو عليه إلى غاية شهر أكتوبر أو نونبر، أي موعد إجراء الانتخابات المبكرة، مشيرا إلى أن استطلاع رأي رجح بأن يتصدر حزب فيلدرز الانتخابات المقبلة، إلى جانب عودة حزب العمل واليسار الاخضر والحزب المسيحي.
ومن جانبه، فسر جمال الدين ريان، رئيس مرصد التواصل والهجرة بأمستردام، في تصريح مماثل، سقوط الحكومة الهولندية بالجدل المثار حول سياسة الهجرة، خاصة بعد الضغوط المتزايدة التي مارستها الأحزاب اليمينية على الحكومة، بعد مطالبتها بتشديد القوانين المتعلقة بالهجرة.

وواصل أن هذه الضغوط أدت إلى عدم توافق بين الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي، مما جعل من الصعب الحفاظ على استقرار الحكومة، مشيرا إلى أن “سياسة الهجرة كانت دائما محورا رئيسيا للنقاشات، حيث اعتبرت بعض الأحزاب أن الحكومة لم تتخذ خطوات كافية لمعالجة القضايا المتعلقة باللاجئين والمهاجرين، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاجتماعية والسياسية في البلاد”.
وفيما يخص الانتخابات المقبلة، يرى ريان أن قضايا الهجرة ستكون حاضرة بقوة في الحملات الانتخابية، مرجحا أن تستفيد الأحزاب اليمينية، وخاصة حزب “الحرية” من هذا الوضع، وتعزز مواقفها المناهضة للهجرة، بينما ستعمل الأحزاب اليسارية على طرح بدائل أكثر إنسانية وسياسات شاملة، مبرزا أن ذلك قد يحدث انقساما واضحا في آراء الناخبين.
وتوقع المتحدث ذاته أن تشهد الانتخابات المقبلة مشاركة متزايدة للناخبين، في ظل تزايد أهمية القضايا المطروحة، موضحا أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية قد تلعب دورا محوريا في تحديد اختيارات الناخبين، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها البلاد.
وفي التفاصيل، تشمل خطة فيلدرز المثيرة للجدل إجراءات عديدة، من قبيل: إغلاق الحدود في وجه طالبي اللجوء، ووقف استقبالهم، وإلغاء لمّ شمل الأسر، وترحيل اللاجئين السوريين، بالإضافة إلى سحب الجنسية من مزدوجي الجنسية في حال ارتكابهم مخالفات.

كما دعا حزب فيلدرز إلى نشر الجيش الهولندي لحماية الحدود، في حال عدم تنفيذ هذه الإجراءات، لكن بقية أحزاب الائتلاف رفضت هذه المطالب، التي اعتبرها عدد من السياسيين وخبراء القانون بـ”غير قابلة للتطبيق” و”المُنتهكة للمعايير الدولية”.
وكان قد نشر فيلدرز منشورا في حسابه على منصة “إكس” (تويتر سابقا)، قال فيها: “في غياب التوقيع على خططنا المتعلقة باللجوء… حزب الحرية ينسحب من الائتلاف”.
وبحسب تقارير إعلامية هولندية، فلم تستمر آخر جولة من مشاورات الأزمة بين قادة الأحزاب الأربعة، المنعقدة يوم أمس الثلاثاء، سوى نصف ساعة، خرج بعدها ممثلو الأحزاب في حالة من التوتر.
وقال فيلدرز في تصريح مقتضب، إنه أبلغ رئيس الوزراء بقرار انسحاب حزبه من الحكومة الهولندية، مؤكدا أن “حزب الحرية لم يعد قادرا على تحمل مسؤولية ما يحدث في هذه الحكومة”، وأضاف: “لقد وافقنا على سياسة لجوء صارمة، لا على انهيار هولندا.”
