أثار التفاوت الملحوظ بين نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، الذي سجل معدل بطالة مرتفع بلغ 21.3%، وبين معطيات المذكرة الظرفية للمندوبية السامية للتخطيط لسنة 2025، التي كشفت عن تراجع معدل البطالة إلى 13.3%، استفسارات واسعة حول أسباب هذا الاختلاف لاسيما وأن هذه المعطيات صادرة عن مؤسسة واحدة.
وفي هذا الصدد، فسر المحلل الاقتصادي؛ محمد جدري، في تصريح قدمه لموقع “سفيركم” الإلكتروني، التفاوت بين أرقام الإحصاء العام للسكان والسكنى والمذكرة الظرفية للمندوبية، بكون الإحصاء لا يقدم صورة واضحة عن سوق الشغل نظرا لاهتمامه بالوضعية العامة للمغاربة والمغربيات في لحظة محددة، وهي شتنبر 2024، بينما يهتم بحث الظرفية، الذي يتم إجراؤه على أساس فصلي، بعينة محددة يتتبع وضعيتها بين فترة وأخرى.
وواصل المتحدث ذاته أن الإحصاء لا يأخذ بعين الاعتبار الوضعية المهنية للأفراد خارج الفترة التي يُجرى فيها، قائلا: «على سبيل المثال إذا كان شخص ما يزاول عملا في شهر غشت، لكنه صرح خلال فترة الإحصاء في شتنبر بأنه فقده، فإنه يُدرج ضمن فئة العاطلين عن العمل، كما أن هناك أشخاص يبدأون أنشطة مهنية موسمية أو مؤقتة بعد الإحصاء، اعتبارا من أكتوبر مثلا، يتم احتسابهم كذلك ضمن العاطلين”.
وأضاف أن أسئلة الباحثين تتميز بطابعها العام، ما يؤدي إلى تصنيف عدد من الأفراد كعاطلين، رغم أنهم يزاولون أنشطة سواء في القطاع الفلاحي، والقطاع غير المهيكل، والعمل الحر أو عمل آخر بدون وثائق وعقود، لافتا إلى أن المعطيات المستخلصة من المواطنين تبقى تصريحية، حيث يختار البعض التصريح بأنهم يعيشون تحت وطأة البطالة، تفاديا لأي التزامات ضريبية أو إدارية، أو حفاظا على الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي.
ومن جانبه، قال المحلل الاقتصادي، والأستاذ السابق بالمعهد الوطني للإحصاء؛ مهدي الحلو، في تصريح مماثل، إن نسبة البطالة التي كشف عنها الإحصاء مرتبطة بشهر شتنبر 2024، وهي فترة يشهد فيها النشاط الاقتصادي في الوسط القروي تراجعا ملحوظا في فرص الشغل، لا سيما في ظل توالي سنوات الجفاف، ما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة في العالم القروي، وبالتالي ارتفاعها على الصعيد الوطني.
ولفت إلى أن نسبة الساكنة النشيطة في العالم القروي تراجعت إلى 40٪، مضيفا أن ارتفاع البطالة في العالم القروي لا يعني بالضرورة تراجعها بالشكل الذي تم الإعلان عنه في نتائج الإحصاء العام لسنة 2024، وأن التفاوت الحاصل بين معطيات الإحصاء وأرقام المذكرة قد يؤدي إلى نوع من فقدان الثقة، داعيا المندوبية السامية للتخطيط إلى تفسير هذا التفاوت الذي وصفه بـ”الخلل الإحصائي الكبير”، وتوضيح ما إن كان مرتبطا بالإحصاء والطريقة التي يتم بها أم بالمذكرة الظرفية، أو بتغيير مفهوم البطالة ووسائل مراجعة وضعيتها، أم بأخطاء مرتكبة خلال الإحصاء أو البحث الظرفي.
توضيح رسمي سابق
وكانت المندوبية السامية للتخطيط قد فسرت في مذكرة توضيحية، صادرة بتاريخ 23 دجنبر 2024، أن معدل البطالة البالغ 21.3%، الذي كشف عنه الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، لا يعكس بدقة نفس المؤشرات التي يوفرها البحث الوطني حول التشغيل، وذلك بسبب اختلاف المنهجية المعتمدة بين العمليتين، مؤكدة أن الإحصاء يعتمد على عدد محدود من الأسئلة، وفترة مرجعية قصيرة، ما قد يؤدي إلى إدراج فئات في خانة العاطلين رغم اشتغالهم في أنشطة عرضية.
وأبرزت المندوبية أن البحث الوطني المتعلق بالتشغيل، الذي يُنجز بشكل فصلي ومستمر وفقا لمعايير منظمة العمل الدولية، يتميز بدقته وعمقه في تحليل سوق الشغل، إذ يسمح بتصنيف دقيق للسكان حسب نشاطهم المهني، بما في ذلك العمل العرضي أو غير النظامي، إلى جانب إجرائه من قبل موظفين مؤهلين وذوي خبرة، مما يعني أنه يمكن تحديد الجوانب المختلفة لسوق الشغل بدقة.
آخر تحيين لوضعية سوق الشغل بالمغرب 2025
وأفادت المندوبية السامية للتخطيط في مذكرة إخبارية، توصل بها موقع “سفيركم” الإلكتروني، المتعلقة بوضعية سوق الشغل خلال الفصل الأول من سنة 2025، أن الاقتصاد الوطني شهد خلال الفترة الممتدة بين الفصل الأول من سنتي 2024 و2025، إحداث ما مجموعه 282 ألف منصب شغل. ويعزى هذا التحسن إلى خلق 285 ألف منصب بالوسط الحضري، في مقابل فقدان 3 آلاف منصب بالوسط القروي، وذلك بعدما كان الاقتصاد قد فقد 80 ألف منصب في نفس الفترة من السنة السابقة.
وفيما يتعلق بطبيعة الشغل، فقد سجلت المندوبية إحداث 319 ألف منصب شغل مؤدى عنه على المستوى الوطني، مقابل فقدان 37 ألف منصب غير مؤدى عنه، أما من حيث التوزيع القطاعي، فقد ساهمت مختلف القطاعات الاقتصادية في توفير مناصب جديدة، باستثناء قطاع “الفلاحة والغابة والصيد” الذي فقد 72 ألف منصب. وفي المقابل، أحدث قطاع “الخدمات” 216 ألف منصب شغل، متبوعا بقطاع “الصناعة” بـ83 ألف منصب، وقطاع “البناء والأشغال العمومية” بـ52 ألف منصب.
أما بالنسبة لمعدل البطالة، فقد تراجع على المستوى الوطني من 13,7% إلى 13,3%، نتيجة انخفاض عدد العاطلين بنحو 15 ألف شخص، جراء تراجعهم بـ40 ألف في الوسط الحضري وارتفاعهم بـ25 ألف في الوسط القروي، ليبلغ عدد العاطلين حوالي 1.630.000 شخص. ورغم هذا الانخفاض، ما يزال المعدل مرتفعا لدى الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة بـ37,7%، والنساء بـ19,9%، وحاملي الشهادات بـ19,4%.
وفيما يتعلق بالشغل الناقص، فقد ارتفع عدد النشيطين المشتغلين في هذه الوضعية من 1.069.000 إلى 1.254.000 شخص على المستوى الوطني، حيث انتقل العدد من 571.000 إلى 662.000 في الوسط الحضري، ومن 499.000 إلى 592.000 في الوسط القروي. ونتيجة لذلك، ارتفع معدل الشغل الناقص من 10,3% إلى 11,8% على المستوى الوطني، ومن 9% إلى 10% في الوسط الحضري، ومن 12,5% إلى 14,8% في الوسط القروي.